كتب خالد ضياء الدين
اسمحو لي ان اكتب بعيداً عن دوشة الدوشكا وصخب المسيرات لأقص عليكم حكاية من حكايات العشق الممنوع بين (مسلمين ومسيحيات) قصص تحولت من صبابة ولوعة الي قصائد تغنى بها كبار الفنانين..حفظها العشاق ورددوها.وقد سبقني البعض في الحديث عن أغاني سودانية كتبت لفتيات مسيحيات لكني والعام عام حرب وجدت ان لابأس من مواصلة البحث وان ابدأ بالاقدم والاشهر فقد
كتب شاعر الحقيبة “عبدالرحمن الريح” قصيدة خالدة في حسناء مسيحية من حسناوات حي المسالمة ذلك الحي المجاور لحي العرب حيث كان يقطن شاعرنا المرهف قائلا:
لي في المسالمة غزال
نافر بغنى عليه
جاهل قلبه قاسى
قلبي طايع ليه
ثم يمضي شاكياً من نفور حبيبته المسيحية الاجمل من القمر..
إن شافه الغزال
مع نفرته يواليه
وان شافه القمر
ينزل يبوس قدميه..
ولا ننسى ان نطوف مرة اخرى في نفس الحي ولكن لشاعر اخر هو “سيد عبد العزيز” وصولاً لاغنيه (ظبية المسالمه) و(بت النيل) ولم يتخلف من الشعراء المخضرم “عتيق” احد عظماء اغنية الحقيبة.حتى أصبحت المسالمة نقطة التقاء المرهفين الذين يمنون انفسهم برؤية ملكة جمال أمدرمان حينها..
بالحاصل بي أنت عالمه لكنك ظالمه… وين يا ظبيه المسالمة.
وقد كتبت هذه القصيدة وغيرها في السيدة “عزيزة ادم منديل” من اصول يهودية لكنها اسلمت هي واسرتها وقدموا للاسلام الكثير.
يا منيره يا عطوفة وحالمة
في الادب ممتازة وليك طبيعة مسالمة
مهما نفرتي وقلتي لى عاشقك ظالمة
بتمنا ليــــــك ي ظبية تعيشي رايقة وسالمة..
اما شاعرنا الاديب عمنا “صلاح احمد ابراهيم” فقد سمعته يحكي للوالد “عليهما رحمة الله” قصتها بتفاصيلها ويصف جمال تلك المسيحية (خاتفة اللونين..”مريا”) وقد سمعتها منه باحساس بكر في منزلنا بامبدة وهو في اخر زيارة له للسودان قبل وفاته وليتني سجلتها بصوته، ولكن لو وليت لاتفيدان والحمدلله ان خلدت تلك القصيدة شعراً ولحنا بصوت الفنان حمد الريح..
ليت لي يا”مريا” إزميل “فدياس” وروح عبقرية
وامامي تل مرمر لنحت الفتنة الهوجاء في نفس مقاييسك تمثال مكبر
وجعلت الشعر كالشلال بعضاً يلزم الكتف وبعضاً يتبعثر
ثم يقول ل”مريا” تلك الخلاسية رائعة الجمال والبهاء
ليتني في قمة الاولمب جالس
وحوالي العرائس
وانا في ذروة الالهام بين الملهمات احتسي خمرة “باخوس” النقية
فاذا ماسرت النشوة في
اتداعى وانادي يابنات
انقروا القيثارة في رفق وهاتو الاغنيات ل”مريا”
اذكر تماما عندما وصل (هاتو الاغنيات ل”مريا”)كيف جلس بعد ان كان مستلقياً على السرير واعتدل حتى وصل لنهاية القصيدة…وداعا ..
يا”مريا”
انه بالرغم من جمال القصيدتين وروعة اداء الاغنيتين الا ان اغنية تلك الفتاة الكردفانية المتيمه ب”اندريا” اخذت القلوب ببساطتها وعمقها وهي التي تحدثت في الممنوع (بنت تعلن حبها وكمان لمسيحي وخواجة؟؟؟)مستنجدة ب( الفقرا والمشائخ)معلنة حبها لاحد المهندسين الاجانب (المسيحيين)الذي كان يعمل بحقل البترول..
“اندريا” ذلك المسيحي الذي هامت به عشقاً وغنت له:
ياالفقرا الحراس “اندريا”
نشيلكم فوق الراس “اندريا”
حلاوة القرطاس “اندريا”
الفي الخشيم تنماص “اندريا”
نزرع الزهور “اندريا”
نرويه بالبابور “اندريا”
جنة وعليها قصور “اندريا”
مشتولة في المجرور “اندريا”
لقد تحولت حالة حب تلك الكردفانية عاشقة “اندريا” المسيحي من حالة خاصة الي اغنية متداولة خرجت من حيز الصديقات المقربات الي المجتمع الكردفاني ثم انتشرت لتغنيها الفنانة “نانسي عجاج” وغيرها من المطربات. ولكن من اكثر الابيات التي استوقفتني في حالة الحب الممنوع التي عبرت عنها الشاعرة بشكل بكائي..
لو ماكلام الناس برحل معاك خماس
صنقعت للسحاب
ودنقرت للتراب
لقيت نجيمي الغاب
في ام دروته فاتح باب
القمري قوقا وطار
خلا الدباس في الدار
خلاني للافكار
بالكبري شاشا وطار
واما اذا هممنا بالرجوع للعطبراويين الشاعر “علي احمد طه” والفنان “حسن خليفة العطبراوي” نلاحظ قمة الابداع شعرا ولحنا واداء في اغنية(ياسلوة المحزون)
هناك توسلت الفتاة الكردفانية المتيمة “بالفقرا” المسلمين لاعانتها فقد استنجد الشاعر هنا بكل مقدس في المسيحية يقسم بها عليها ان تبادله المحبة ولكن كعادة الاقباط(المسيحيات)يظل تمنعهن وهواهن صعب المنال.
بحق “بطرس” يافتاتي من شفى الرجل الكسيح
“باري جرجس” وبالصليب وبالمسيح
بالقس بالمطران وبالجرس المطل على السفوح
ب”مريم” العذراء والاحبار وبالراعي الصليح
معابد الرهبان بالدين المقدس والمسوح
بالكاردينال بقطة البطريق بالرجل الصلوح
فداية البابا المعمد بالشموع وبالذبيح
وهنا لابد من الوقوف طويلا امام بكائية شهيرة تغنى بها “مصطفى مضوي” واخيرا “عاطف السماني” التي تحكي (قصة ريدة بين اتنين بين مسلم ومسيحية)
احلف ليها بالاسلام وتحلف بالمسيحية
ولي عقيدة مابتنفات وديني كمان عزيز ليه
الا الريدة مابتعرف قيود واديان سماوية
تدخل في قلوب الناس زي افراح ربيعية
انا شاب اسمر من السودان اصيل وقبيلتي جعلية
حفيد ناس ملو التاريخ قصص وامجاد بطولية..
وبمناسبة الشاب الاسمر من السودان هذه ذكرتني اغنية يافتاتي ﻛﻠﻤﺎﺕ: ﺍلشاعر “ﻣﺤﻤﺪ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ” التي تغنى بها الفنان “الطيب عبدالله”..
ﻳﺎ ﻓﺘﺎﺗﻰ..ﻣﺎ ﻟﻠﻬﻮﻯ ﺑﻠﺪ
ﻛﻞ ﻗﻠﺐ ﻓﻰ ﺍﻟﺤﺐ ﻳﺒﺘﺮﺩ
ﻭﺃﻧﺎ ﻣﺎ ﺧﻠﻘﺖ ﻓﻰ ﻭﻃﻦ
ﺍﻟﻬﻮﻯ ﻓﻰ ﺣﻤﺎﻩ ﻣﻀﻄﻬﺪ
ﻓﻠﻤﺎﺫﺍ ﺃﺭﺍﻙ ﺛﺎﺋﺮﺓ
ﻭﻋﻼﻡ ﺍﻟﺴﺒﺎﺏ ﻳﻀﻄﺮﺩ
ﻭﺍﻟﻔﺮﺍﺀ ﺍﻟﺜﻤﻴﻦ ﻣﻨﺘﻔﺾ
ﻛﻔﺅﺍﺩ ﻳﺸﻘﻰ ﺑﻪ ﺍﻟﺠﺴﺪ
ﺍلان ﺍﻟﺴﻮﺍﺩ ﻳﻐﻤﺮﻧﻰ
ﻟﻴﺲ ﻟﻰ ﻓﻴﻪ ﻳﺎ ﻓﺘﺎﺓ ﻳﺪ
ﺃﻏﺮﻳﺐ ﺍﻥ ﺗﻌﻠﻤﻰ ﻓﺄﻧﺎ
ﻟﻰ ﺩﻳﺎﺭ ﻓﻴﺤﺎﺀ ﻭﻟﻰ ﺑﻠﺪ..
نعم هي حقيقة قالها “العباسي” يافتاتي ماللهوى بلد..
ولكن دعونا نمضي نفصل في حب المسيحيات وانعكاس ذلك على الاغنية السودانية ثم نبحث لنصل لل”تجاني يوسف بشير” عندما تغزل في مسيحية بقصيدة عصماء كانت سببا لاتهم بعض مشائخ تلك الحقبة له بالردة حينما قال:
آمنت بالحسن بردا وبالصبابة نارا
وبالكنيسة عقدا منضدا من عذارى
وبالمسيح ومن طاف حوله واستجارا
ايمان من يعبد الحسن في عيون النصارى
هي حالة شاعرية وكلمات عفوية وحالة عشق اغلبها من طرف واحد بين شاعر ومسيحية او شاعرة ومسيحي لكنها بالضرورة تؤشر لحالة في مجتمعنا تجعل من الصعوبة بمكان وفق القيود الدينية والاعراف المجتمعية التي تعطل فيها الكنيسة زواج المسيحية من المسلم.
او الاسلام الذي يمنع زواج المسلمة من المسيحي هذا (العشق الممنوع) الذي انتج لنا اجمل الكلمات التي تحولت لاغنيات خالدة في مكتبة الاغنية السودانية..وليس لي ان ابرح دون الاشارة للشاعر “مصطفى سعيد” في قصيدته “مريم الماجدلية” التي تغنى بها الراحل “مصطفى سيد احمد”
ﺃﻧﺎ ﺍﻵﻥ ﺍﻟﺘﺮﻗﺐ ﻭﺍﻧﺘﻈﺎﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﺤﻴﻞ
ﺃﻧﺠﺒﺘﻨﻲ “ﻣﺮﻳﻢ” ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻗﻄﺎﺭﺍً ﻭﺣﻘﻴﺒﺔ
ﺿﻴﻌﺘﻨﻲ “ﻣﺮﻳﻢ” ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻗﻮﺍﻓﻲ
ﺛﻢ ﺃﻫﺪﺗﻨﻲ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻲ
ﻫﻜﺬﺍ ﻗﺪ ﺧﺒﺮﻭﻧﻲ ﺛﻢ ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻲ ﺗﺮﺟﻞ
فهل تسمحون لي بالترجل على وعد مواصلة البوح في زمان الصمت معلنا انحيازي لقبيلة العشاق راكلاً كل قبيح..معلناً عن انتظاري بلهفة العاشق الامدرماني عودة المسيحيين لحي المسالمة بالرغم من انني ما لي في المسالمة غزال ولكن لي عشق لكل الطيور المهاجرة.