التصعيد الإماراتي ضد السودان يقود البلدين نحو المواجهة | محمد عثمان عوض الله.
التصعيد الإماراتي ضد السودان يقود البلدين نحو المواجهة | محمد عثمان عوض الله | بين دولة الإمارات والسودان صارت مباشرة بعد أن كانت تتستر دولا الامارات خلف مليشيا الجنجويد، الوظيفية و خلف عملائها من تقدم يدافعون عنها و يهاجمون مؤسسات الدولة. كما صارت المواجهة شاملة بعد أن تعدت ساحاتها دارفور إلى ساحات أخرى منها دول الجوار و الايقاد و جامعة الدول العربية و منظمة التعاون الخليجي و منظمة التعاون الإسلامي و جنيف بل حتى مجلس الأمن الدولي.
في ترجيح كفة موازين القوى بين البلدين، كانت دولة الإمارات تتميز بتفوق نسبي بسبب قوتها المالية، إلا أنها فقدت هذا التفوق بعد اللطمة القوية التي تلقتها من شكوى السودان ضدها لدى مجلس الأمن الدولي. كانت شكوى السودان رصينة، و أدلته دامغة إلى الدرجة التي جعلت الأمارات تستعين بكل من بريطانيا و أمريكا لكي تتلاعبان بجلسة مجلس الأمن حتى لا تنعقد الجلسة التي طلبها السودان.
لأن إدانة الامارات عبر المداولات العادية و العلنية في تلك الجلسة كانت سوف تكون حتمية وستجد أمريكا حرجا كبيرا في حماية دولة ارتبط اسمها بدعم جرائم الحنجويد.
بعد تاريخ شكوى السودان، صار سقف الأمارات و هدفها الذي من أجله يهودن عليها كل شيء وتدفع بسببه كل الفواتير، هو أن لا تُعرض شكوى السودان أمام مجلس الأمن، وأن لا تتم إدانتها قانونيا رغم اكتمال إدانتها إعلاميا و سياسيا.
نجحت دولة الأمارات في الوصول إلى عقد صفقات مع كل من أمريكا وبريطانيا، اطارها العام هو:
تقدم الدولتان العظمتان الحماية القانونية اللازمة للأمارات.
مقابل أن تدفع الامارات الفاتورة التي تطلبها الدولتان.
هذا النوع من صفقات الإبتزازي الأمريكي يعتبر مثالي لأمريكا كما ذكر الرئيس السابق ترامب: المال مقابل الحماية على الكرسي. خاصة تجاه دولة قادرة وراغبة في دفع الأموال وغير مقيدة بأي مراقبة داخلية أو قيود قانونية.
أما ما يتعلق بالموقف العالمي من الامارات، فقد تبنى أعضاء الكونغرس الأمريكي كل الحجج والأدلة التي تعضد شكوى السودان و زادوا عليها حججا أكثر عددا و أقوى ترجيحا. أيضا كتب سفير الاتحاد الأوروبي في الخرطوم مزيد من الاتهامات والتفاصيل و الأدلة. هذا غير تقارير صحفية النيويورك تايمز و السي أن أن وغيرها.
وبذلك صارت الامارات في موقف صعب حيث اكتملت ادانتها عالميا و من داخل المؤسسات الأمريكية و الأوروبية وغيرها.
هذا الوضع سيجعل الأمارات دولة مثالية أمام الابتزاز الأمريكي، فقد استغلت الحكومة الأمريكية الظروف الإماراتية الصعبة و أطلقت العنان لتعلية السقف في مسارين:
المسار الأول هو الضغط الإعلامي والمؤسسي الأمريكي، لإدانة الأمارات كما بينا أعلاه.
المسار الثاني هو الفواتير الأمريكية واجبة السداد من قبل الحكومة الأمارتية من أجل أن تتمتع بالحماية.
أما الموقف الأماراتي حيال هذا الابتزاز، فقد أسقط في يدها ووجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه. وحست أن الأموال وحدها لن تحميها و أن الحكومة الأمريكية إن حمتها من الإدانة القانونية عبر مجلس الأمن إلا أنها لن تستطيع حمايتها من مداولات الكونغرس ولا من الإعلام والرأي العام الأمريكي والعالمي.
بذلك حست الأمارات أن ظهرها صار مكشوفا، ففقدت التركيز الذهني واللياقة النفسية و صارت تشتت جهودها و تتخبط في عدد من الأفعال الطائشة هنا وهناك. وتمثل ذلك في عدد من الأحداث منها:
أولا مارست ابتزاز على الجالية السودانية في الامارات بإقامة حفلة غناء صاخب (اجباري) للجالية السودانية في دبي وتحت إشراف وتمويل و رعاية الديوان الملكي لآل زايد.
ثانيا ارسلت طائرة شحن جوي مباشرة إلى مطار نيالا، نتج عنه ضرب الحكومة السودانية للشحنة العسكرية المهربة و قتل عدد من الضباط الإماراتيين.
ثالثا أعلنت حكومة الإمارات عن مقتل جنودها دون أن تحدد مكان القتل أو الجهة المنفذة. (لماذا أعلنت عن مقتل هؤلاء الجنود دون غيرهم؟ يبدو أن الأمر تمهيد لرد فعل ما).
رابعا أعلنت الحكومة الإماراتية عن تفجير مقر بعثتها في السودان و اتهمت سلاح الجو السوداني بذلك. السودان نفى التهمة في بيان رسمي. (ويبدو أن ذلك أيضا يأتي تمهيدا لرد فعل ما).
خامسا أعلنت إحدى المسؤولات الاماراتيات أن دولة الأمارات منغمسة في الحرب في السودان لحماية مصالحها.
سادسا أصدر الهلال الأحمر الإماراتي بيانا أكد فيه بناءه لمستشفى في مدينة أمدجرس التشادية: (لعلاج كافة معاقي الحرب دون تمييز). وهذه عبارة تعني علاج جنود المليشيا لأنهم وحدهم المتواجدون هناك.
السؤال الان ما دلالة هذا التصعيد العلني والمباشر من دولة الأمارات تجاه السودان؟ هل يدل على نيتها خوض حرب مباشرة؟ هل هو تخبط ناتج من الضغط المؤسسي والإعلامي الدولي عليها؟ هل هو مجرد تنمر منها على دولة السودان؟
وعند المقارنة بين خسارة كل من السودان الامارات نجد أن خسائر السودان المادية كبيرة جراء حرب الوكالة التي تشنها الامارات عبر مليشيا الجنجويد. و لكن من ناحية أخرى، فان السودان قضيته عادلة، و أدلته قوية، و جبهته الداخلية موحدة، و جيشه قوي. وسوف ينتصر عسكريا على المليشيا الاماراتيه لامحالة، وقد ينال الإنصاف القانوني ضد دولة الأمارات يوما ما.
أما خسائر الامارات المادية التي تدفعها مقابل الابتزاز الامريكي، و شراء مواقف عدد من الدول، و شراء المرتزقة و تمويل الحملات الإعلامية و قيمة السلاح وتكلفة تهريب السلاح إلى المليشيا… فاتورة عالية.
والخسارة الأخرى هي أن دولة الامارات فقدت مكانتها وهي مدانة تجاه الرأي العام العالمي و الرأي القانوني و المكانة السياسية وسوف تساق لا محالة إلى جهة الإدانة الجنائية بسبب قوة الأدلة ضدها و من مؤسسات محايدة و ذات ثقل وتأثير.
نختم المقال بالسؤال عن مستقبل المواجهة بين البلدين.
يعمل السودان الان على تحرير العاصمة الخرطوم و عدد من اقاليمه المختلفة مستندا على موقف أخلاقي وقانوني و جبهة و طنية موحدة و جيش قوي و علاقات دولية متحسنة باضطراد.
و لأسباب تتعلق بالمليشيا ستتقهر الحرب إلى اقليم دارفور إلى أن يكتمل تحريرها. و سوف تكون التكلفة والاستنزاف المادي كبيرة على الدولتين.
أما دولة الإمارات فإنها ستواصل تخبطها و ستزيد من أفعالها الطائشة مثل مشاركة جنودها وطائراتها في الحرب، إلى أن تكتمل إدانتها و تتخلى أمريكا عن حمايتها في ملف جرائم السودان المثبتة. مع إمكانية ابتزازها وتوظيفها في ملفات أخرى. و سيطلب السودان التعويض المجزي و إعادة الإعمار.
ومع كل ذلك فان المواجهة بين البلدين لن تتطور إلى حرب مباشرة. إذ أن السودان مايزال يحصر نفسه في خانة الدفاع ولم يتحول إلى الهجوم لاستهداف المصالح الأماراتية.