مقالات

الحرب في السودان ومضامير السباق نحو البيت الأبيض

العبيد مروح

بحلول أغسطس القادم، ستنكفئ الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها، وستهيمن القضايا الداخلية على الحملات الإنتخابية للتنافس للوصول إلى البيت الأبيض و الكونغرس بمجلسيه، وسيتراجع تبعاً لذلك الإهتمام الأمريكي، على مستوى الحزبين، بالقضايا الخارجية إلا ما يتصل منها بالشأن الداخلي، مثل قضية الحرب الإسرائيلية على غزة، والحرب بين روسيا وأوكرنيا.

وبنهاية مايو الحالي ستظهر بشكل جلي، نتيجة الجهود التي قادها المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو، لإيجاد تسوية للحرب التي اندلعت في البلاد قبل ما يزيد من العام، وهي جهود تكاد تكون نتيجتها معروفة سلفاً بأنها فاشلة، فالمبعوث الذي كان عنوان مهمته هو السودان لم يزر السودان واختار بدلاً من ذلك الطواف حوله، فزار كلاً من يوغندا وكينيا وإثيوبيا ومصر، وتوقف في جيبوتي التي ترأس الدورة الحالية لمنظمة الإيغاد، ثمّ طفق يتجول بين عواصم التأثير من بقايا “الرباعية الدولية” التي كانت سبباً في إشعال حرب أبريل بسوء إدارتها للدور الخارجي في الفترة الإنتقالية.

رمى المبعوث آخر سهم في كنانته قبل أيام عندما عُقدت له جلسة إستماع في لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، لم يجرؤ خلالها أن يسمي جرائم وأفعال الطرف أو الأطراف التي تسببت في إطالة أمد الحرب بإصرارها على توفير التمويل والتسليح لتجنيد المقاتلين و المرتزقة وتوفير الاسناد الإعلامي والدبلوماسي للمليشيا المتمردة، وركّز بدلاً من ذلك على نتائج تلك الأفعال، ممثلة فيما أسماه المجاعة التي تتهدد ملايين السودانيين والوضع الإنساني الذي ينذر بكارثة !!

ولا شك عندي أن الإدارة الأمريكية الحالية، وبقية أعضاء الرباعية التي كانت تهيمن على القرار الوطني بعد 2019، كانوا على معرفة مسبقة بنوايا وخطط الدعم السريع للاستيلاء على السلطة في السودان في أبريل 2023، وكانوا على استعداد لتبرير ذلك بحجة أن الإنقلاب على الإنقلاب هدفه استعادة المدنيين للسلطة، ولمّا مضت على المحاولة أكثر من 72 ساعة، وبدا أن الأمور تسيرباتجاه الخروج عن السيطرة، خرج وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ليحذر من تطاول أمد الحرب وأنها قد تتحول إلى حرب أهلية، وربما كان محقاً في قراءته كونه على علم بحجم الإمكانات التي حشدها الدعم السريع للاستيلاء على السلطة وتثبيت أركانها، وعلى علم كذلك بقدرات الداعمين الإقليميين لتلك الخطة، كونهم أصحاب تجارب سابقة في اليمن وفي ليبيا.

ما يعنينا في هذا كله، هو أن الحرب التي كان مخططاً أن تكون انقلاباً خاطفاً، تمدد أجلها فزاد على العام، ولم يعد واضحاً كم من الوقت ستستغرق حتى تصل إلى نهايتها؛ وقد فشلت المحاولات المبكرة لإيقافها بعدما رفضت مليشيا الدعم السريع الخروج من الأعيان المدنية وفق ما وقعت عليه في جدة قبل أن يمضي شهر على إشعالها الحرب، بل وتوسعت في عدوانها فاحتلت عواصم أربع ولايات في دارفور كما احتلت ولاية الجزيرة وسط السودان، وتسببت بشكل مباشر في الأزمة الإنسانية التي يتحدث عنها أدعياء حقوق الإنسان.

وها نحن اليوم ندنو من انتخابات مصيرية في أثنين من أعضاء الرباعية خلال ما تبقى من هذا العام، ففي بريطانيا يواجه حزب المحافظين الحاكم هزيمة شبه محققة بناءً على نتائج الإنتخابات المحلية التي جرت قبل يومين، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تبدو هزيمة الديمقراطيين راجحة على المستويين التشريعي والرئاسي، وهذا يعني أن قضايا الداخل ستكون هي المهيمنة في كل من لندن وواشنطن، في حين يبدو أن الضلع الثالث في الرباعية – المملكة العربية السعودية – مشغول أيضاً بقضايا داخلية وخارجية يشكل الوضع في السودان أولوية متأخرة بينها، فالمملكة مشغولة بقضية “الإتفاق الإستراتيجي” مع الولايات المتحدة والذي ترتبط مفاوضاته، بشكل وثيق، بقضية التطبيع مع إسرائيل والحرب التي تجري في غزة.

الأمر الذي  يعني – ضمن أشياء أخرى – أن القضية التي تشغل بال الوسيطين اللذين يتوليان ملف السودان (أمريكا والمملكة)، هي قضية الحرب في غزة، وليس الحرب في السودان، فالحرب في غزة، تتصل بشكل مباشر، بترتيبات إعادة رسم العلاقات وربما الخرائط في المنطقة، وهو أمر تنخرط فيه الإدارة الأمريكية السابقة والحالية، وقد خلط هجوم حماس على مستوطنات الإحتلال الإسرائيلي في أكتوير الماضي،  الأوراق بشأنه بدرجة كبيرة !!

السعودية تريد أن تعظم من مكاسبها بشأن الموافقة المحتملة على التطبيع مع إسرائيل،  وتريد أن تقول إنها لن توقع على ورقة بدون مقابل يتفق وثقلها الإقليمي، كما فعلت الإمارات وكما فعل السودان، وهي في ذات الوقت تراقب عن كثب السيناريوهات المحتملة لنتائج الإنتخابات الأمريكية، وكأني بها تتمنى هزيمة الديمقراطيين وعودة ترمب إلى سدة الرئاسة، فترمب شخصياً والجمهوريون، هم حلفاء تقليديين للأسرتين الحاكمتين في الرياض وأبوظبي، وليس هذا سراً يذاع، والحال كذلك فإن عملية التطبيع بين المملكة وإسرائيل قد تتأجل – لأسباب إجرائية – لما بعد يناير من العام القادم لينال شرفها دونالد ترمب، ولا يقطف ثمارها بايدن  !!

مساحة المناورة أمام تحركات الإدارة الأمريكية الحالية في المنطقة تضيق، بسبب اقتراب انخراط إدارة بايدن في الشأن الداخلي الإنتخابي، خاصة وأن احتمال إعادة انتخابه سيكون على المحك، وهذا يعني أنه لا الكونغرس ولا المبعوث الخاص للسودان، توم بيرييلو، سيكون بوسعهما فعل شئ يذكر للضغط على داعمي الحرب في السودان، فالوقت ينفد أمام الجميع !!

وإذا كانت فرضية قرب وقف الحرب في السودان بسبب الضغط الذي كان يمكن أن تمارسه الإدارة الأمريكية على داعميها الإقليميين، تكاد تكون معدومة، فإن الدور الذي يمكن أن تلعبه قوى دولية أخرى، مثل روسيا لا يبدو قادراً على فعل شئ ذي بال في الوقت الراهن، فروسيا من جهة منخرطة في صراعها مع فرنسا لتحل محلها في منطقة الساحل الأفريقي، وقد حققت في ذلك نجاحاً كبيراً، وفرنسا منخرطة مع المجموعة الأوربية لتوفير الإمداد بالسلاح النوعي للرد على روسيا في أوكرانيا لدرجة أن الرئيس ماكرون لوّح بالسلاح النووي، و روسيا من جهة ثانية لم تطمئن بعد من أن السلطة القائمة في السودان تشكل حليفاً موثوقاً في مواجهة النفوذ الغربي في أفريقيا، ولهذا فهي غير مستعدة – على الأقل في الوقت الراهن – للانخراط في الضغط على مليشيا الدعم السريع لوقف الحرب، ولكنها ستبقى حريصة على علاقات قابلة للتطوير في السودان.

وتبقى الكلمة الفصل في شأن مستقبل الحرب في السودان، هي للفعل الداخلي … الفعل الذي من المفترض أن يرسم ملامحه المقاتلون في مسارح العمليات من قوات مسلحة وقوات مساندة ومستنفرين، وتعززه القوى السياسية الوطنية التي تأبى أن يفرض الخارج – القريب والبعيد – عليها أجندة تسوية تخدم مصالحه لا مصالح السودان وأهله .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى