على الرغم من مشاركة الجيش السوداني في مناورات النجم الساطع عدة مرات، وعلى الرغم من التعاون الاستخباري الواسع مع المخابرات المركزية الأمريكية على عهد مدير جهاز المخابرات الأسبق، فإن هذا لا ينهض دليلاً على إمكانية وجود أي نوع من الشراكة مع الولايات المتحدة في الوقت الحالي أو المستقبل القريب.
ذلك لأن الشراكة الاستراتيجية تتطلب، حسبما أوضحنا في مقالاتنا السابقة، التوافق على رؤية مشتركة فيما يلي عناصر القوى الشاملة لدولتنا: السياسية والدبلوماسية، العسكرية والأمنية، الاقتصادية، الثقافية، الاجتماعية، العلمية والمعلوماتية، الإعلامية، البيئية، والإنسانية.
الولايات المتحدة الامريكية ذات التأثير الدولي الواسع، والتي تملك أول أو ثاني اقتصاد في العالم (تقرير حقائق العالم CIA factbook الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية يضع الولايات المتحدة في المرتبة الثانية من حيث حجم الاقتصاد بعد الصين!) لها موقف سياسي واضح عبرت عنه وزارة الخارجية الأمريكية، ومبعوثيها، بأنها لن تتعاون مع السودان الا في ظل حكومة بقيادة مدنية. هذا تدخل سافر في الشأن الداخلي السوداني لا يرجى معه أي نوع من أنواع التعاون.
فرضت الولايات المتحدة عقوبات قاسية جداً على السودان لمدة خمسة وعشرون عاماً بدأت في العام 1997 ورفعت في العام 2021، وكان لها أثر سالب على معدلات التنمية، حيث رصد زيادة حدة الفقر وعدد السكان تحت خط الفقر، وهو ما أدى لزيادة حالات الاتجار بالبشر والهجرة السرية، والاتجار بالمخدرات، والتطرف، والإرهاب.
وبالتالي حققت العقوبات الاقتصادية عكس المطلوب منها تماماً؛ إذ تقدم السودان بسرعة، بسبب الحظر، نحو وضعية الدولة الفاشلة، العاجزة عن التحكم على حدودها والقاطنين عليها. وانتهى به الأمر للحرب الدائرة الآن في أراضيه والمؤثرة بشدة على الأمن الإقليمي والدولي.
غير أنه، واستمراراً لنهجها العدائي، قامت حكومة الولايات المتحدة حديثاً بفرض عقوبات على مؤسسات تتبع للأجهزة السيادية، فقامت بفرض حظر على أنشطة وإمدادات شرطة الاحتياطي المركزي، كما حظرت أنشطة وأعمال شركة زادنا، التي تتبع لمنظومة الصناعات الدفاعية.
وشركة زادنا للمفارقة تعاقدت قبل ثلاثة سنوات على توريد عشرة ألف جهاز ري محوري مع شركة “فالمنوت” الأمريكية، وهي تعد أكبر شركة على مستوى العالم لإنتاج وتكنولوجيا أجهزة الري المحوري، هذا يوضح استهداف السودان من قبل الولايات المتحدة في بنياته الأساسية.
يتسق موقف الولايات المتحدة مع موقف دول الاتحاد الأوروبي ومنظومة مؤسسات اتفاقية برايتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسساتهم التابعة والشقيقة).
إذ تستخدم كل هذه الدول والمنظمات تعبيراً واحداً هو (عدم التعامل مع السودان الا في ظل حكومة بقيادة مدنية). في تدخل سافر في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة. سوف نرى موقفاً مغايراً من الصين وروسيا ومصر والعديد من الدول الأخرى التي تعبر عن احترامها للمؤسسات السيادية السودانية، وتمتنع عن التدخل في شؤونها الداخلية.
بناءً على ما تقدم نستبعد إقامة أي شراكات استراتيجية أو اقتصادية مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، كما نستبعد أي تعاون اقتصادي مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات التابعة، في الوقت الحالي أو المستقبل القريب.