حميدتي حيّ.. قراءة في كشف أخطر خدعة أمنية وإعلامية في تاريخ السودان
تحليل إستراتيجي مكاوي المالك

عودة المرتجف.. ظهور حميدتي في دارفور يكشف لحظة انهيار المشروع الإماراتي في السودان
(حميدتي يخرج من جحر بن زايد)
في تطور لم يكن مفاجئًا لمن تابع خيوط اللعبة منذ انطلاق معركة الكرامة..ظهر محمد حمدان دقلو “ح-ميدتي” قائد مليشيا الإمارات..لأول مرة علنًا من داخل دارفور..بعد غياب دام عامين ، اكتفى خلاله بالظهور في تسجيلات صوتية ومقاطع فيديو ممنتجة بعناية ضمن خطة إعلامية استخباراتية تشرف عليها أبوظبي ..
خطة اعتمدت على الحرب النفسية والتضليل البصري..تهدف إلى ضخ أنفاس اصطناعية في مشروع يتآكل من الداخل…محاولةً إحياء وهم لم يعد له وجود في الواقع.
لكن اليوم..وبوضوح شديد هذا الظهور المباشر والمفاجئ لا يمكن تفسيره إلا باعتباره الورقة الأخيرة في يد محمد بن زايد..بعد أن أدرك أن مشروعه في السودان..الذي أغرق فيه المليارات..وصل إلى حافة الانهيار الكامل ..في لحظة مشتعلة إقليميًا ومتغيرات عالمية ..تتطلب إعادة ترتيب الأوراق بأي ثمن.
لماذا الآن؟ وماذا تغيّر؟
منذ اندلاع الحرب..سحبت الإمارات قائد المليشيا إلى الحماية السرية المباشرة محجوبًا عن الأنظار للحفاظ على المشروع كورقة ضغط وتفاوض مع الحكومة..وفرضت عليه عزلة تامة عن الميدان والظهور إعلاميًا بندرة يتلقى التعليمات ويصدر التسجيلات والفيديوهات المعدة وممنتجة مسبقًا.
لم يكن ذلك حرصًا عليه فقط..بل جزءًا من استراتيجية إعلامية تحاول الحفاظ على حضوره الرمزي في أذهان المرتزقة ..بينما تُدار المعارك على الأرض بواسطة مرتزقة ومليشيات تم شراؤها بالمال.
لكن التطورات الميدانية والتدهور المتسارع مؤخرًا — من هزائم عسكرية متتالية في محاور الوسط وغرب السودان وضرباتنا الجوية بعد كسر منظومات الامارات في نيالا اخر معاقل المليشيا كانت صدمه كبيره …
واستسلام المئات خلال الفترة الماضية ..إلى انتفاضة الجرحى والمصابين في دارفور نتيجة الإهمال الطبي وعدم توفر العلاج والادوية والرعاية ..ومظاهرات أسر القتلى بعد أن تبيّن لهم أنهم سقطوا في مشروع خاسر — دفعت محمد بن زايد إلى تفعيل خطة الطوارئ: إخراج حميدتي من مخبئه.
إنه ظهور لا يعكس الثقة بل يكشف الانهيار و آخر محاولة لإعادة ضخ دماء في جسد مشروع يحتضر
الخطاب: تكرار بائس لمحاولة إحياء كذبة قديمة
جاء خطاب حميدتي مرتبكًا..ممجوجًا..خاليًا من أي رؤية سياسية أو عسكرية…كرّر فيه مزاعم الدفاع عن النفس..متناسيًا أنه هو من بدأ الحرب بجلب الآليات الثقيلة للعاصمة..وشنّ هجمات مروي..وحصار القيادة العامة في 15 أبريل.
استمر في استخدام شماعة “الكيزان” لتبرير فشل مليشياته..رغم أن هذه الكذبة استُهلكت لدرجة عجز حتى الإعلام الإماراتي عن إنعاشها.
الأغرب من ذلك..محاولته تبرئة المليشيا وغسل سمعتها من الجرائم..عبر الإشادة بمحور المثلث الصحراوي منطقة فيها معدنيين “لم تنهب المدنيين” وفي الحقيقة كل التجار نهبوا..عموما كأنه يعترف ضمنيًا بأن البقية ارتكبت كل الموبقات..ويكافئ من امتنع عن الجريمة..لا من التزم بواجب عسكري أو أخلاقي.
قراءة استراتيجية: ما دلالات هذا الظهور؟
1. اعتراف ضمني بالفشل -الظهور = الاعتراف بالفشل
لو كان المشروع في أوجه نجاحه ..لما احتاج بن زايد إلى إخراج ح-ميدتي من الظل ..ظهوره الآن إقرار واضح بأن المليشيا تنهار..والمعنويات في الحضيض..وأن أهل دارفور وكردفان يواجهون واقعًا بالغ السوء.
2. محاولة يائسة لرفع المعنويات
المرتزقة المستوردون من تشاد ومالي والنيجر وليبيا لم يعودوا مؤمنين بالمشروع والهروب متتالي ..وايضاً الكوادر المحلية في دارفور بدأت تنقلب بعد أن انكشفت الأكاذيب . الرسالة لهم: “القائد ما زال حيًا وسيعوضكم!”
3. طمأنة الخارج
الظهور موجّه لحلفاء بن زايد (الغرب..حفتر..وغيرهم) ليقول لهم إن المشروع لم ينتهِ بعد .. وأن التنسيق الإقليمي الذي كانت تراهن عليه أبوظبي لم ينتهِ بعد.. — رغم تصدعه.
4. بداية مرحلة تصفية الحسابات: ح-ميدتي في خطابه أشار إلى تجهيز السجون وإعادة السيطرة والانضباط..وهي إشارة واضحة إلى أن خلافات داخلية تضرب جسم المليشيا وعمليات نهب وفساد في دارفور من قواته..وأن مرحلة محاكمات داخلية ستبدأ لقمع التمرد من داخل الصف (تكرار كذبة ولايات الوسط )
الفجوة بين الخطاب والواقع
في الوقت الذي يتحدث فيه ح-ميدتي عن “التحرير والانتصار” يعيش أنصاره في دارفور بلا علاج..بلا غذاء..بلا كهرباء..ونهب وفساد في ولايات دارفور واسواق للأسلحة والمخدرات ودمار للشباب بعد أن احترقت قراهم بفعل الصراعات التي زرعها هو شخصيًا.
في الوقت الذي يتوعد فيه عناصره لمواصلة احتلال منازل المواطنين في نيالا وزالنجي والجنينة لا تزال التقارير الحقوقية توثق عمليات النهب والاستيطان القسري في بيوت المدنيين بكردفان ودارفور على حد سواء.
أما حديثه عن الجيران ومصر والمصالحة..فهو مجرد محاولة من بن زايد لإعادة تسويق المليشيا دوليًا..عبر ملف الهجرة غير الشرعية وتهريب البشر والمخدرات.. لعبة قذرة بوجه دبلوماسي
النتيجة: لا أمل في مشروع احترق من الداخل
مهما حاول بن زايد إنعاش مشروع المليشيا..فإن الحقيقة لم تعد قابلة للإخفاء والواقع واضح :
• الشعب لفظه
• الميدان خذله
• مرتزقته تمردوا عليه
• ودارفور التي زعم تمثيلها.. انتفضت ضده
• ومصر.. الحليف الإقليمي الأكبر.. مع الدولة السودانية الموحدة..لا للمليشيا الإرهابية..مهما حاول بن زايد شراء المواقف
إن الظهور اليوم لا يمثل قوة..بل يمثل لحظة انكشاف
انكشاف لوهم استمر لسنتين وخُدع به البسطاء والمهمشون..وظنّ داعموه أنه قابل للتمدد
الختام: لحظة الانكشاف الكامل
ما رأيناه اليوم ليس “عودة القائد” بل ظهور المرتجف الأخير. مشهد باهت على أنقاض مشروع مات أخلاقيًا..وانهار عسكريًا..وانفضحت أهدافه سياسيًا.
هذا المشروع إلى زوال..وح-ميدتي نفسه لم يعد أكثر من رهينة في يد راعٍ إقليمي يائس من إنقاذ استثماره الخاسر.
لن تنطلي علينا بعد الآن حِيَل التسجيلات المعدّة..ولا خُطب التسويق الإعلامي
لأننا نعلم جيدًا: من هرب لعامين بينما تُرتكب المجازر باسمه..لا يمكنه اليوم ادّعاء البراءة.
هذه آخر ورقة في يد محمد بن زايد.. وقد احترقت.