د.عصام بطران: التغيير الديموغرافي الاستيطاني في السودان!
د.عصام بطران: التغيير الديموغرافي الاستيطاني في السودان! | تقاتل القوات المسلحة كفاحاً لإجلاء المليشيا المتمردة من بيوت المواطنين عبر تمسكها بإعلان جدة أو استردادها عبر قوة وجبروت السلاح هنالك طرف ثالث يقنن وجودهم ويجعله واقعاً عمليا ماثلاً يحول دون مغادرتهم هذه المنازل إلى الأبد.
عمليات بيع وشراء واسعة النطاق للاراضي في ولاية الخرطوم تجري هذه الأيام الهدف منها إحداث تغيير ديموغرافي انثروبولوجي استيطاني عبر مخطط يبدو أن تمويلاً ضخماً قد رصد لتنفيذه لاستدامة سكن المتمردين بطريقة قانونية عبر عمليات البيع والشراء ونقل الملكية والتسجيل باسم المالك الجديد..
يهمس بعض العائدين إلى بيتوهم بمناطق أمدرمان القديمة بعد تحريرها من أيدي المليشيا المتمردة عن وجود سكان جدد بمنازل بعض الجيران وبعد السؤال والتدقيق اتضح أنهم اشتروا تلك المنازل وأكملوا إجراءات البيع والشراء -بالتراضي- وقبض المالك القديم الثمن المجزي وزيادة عداً نقداً…
من يقوم بعمليات الإحلال والإبدال الديموغرافي الانثروبولوجي سماسرة عقارات انتهزوا فرصة الحرب وأصبحوا في حالة تواصل لإكمال عمليات البيع والشراء لمصلحة منسوبي المليشيا المتمردة بمبالغ مالية يسيل لها اللعاب بعد توفير المعلومات عن المالك الأصلي ومكان نزوحه والتواصل معه وإقناعه بالبيع للمالك الجديد.
وتتم هذه العملية عبر التوكيلات الشرعية الموثقة بالسفارات والمحاكم بالولايات التي نزح إليها المالك بسبب الحرب وتكمل عمليات البيع عبر تحويلات بنكك أو عن نقداً بتسليم المالك (جوالات مليئة بالنقد) في مكان إقامته الطارئ بالولايات أو تسلم له خارج السودان بالعملات الصعبة…
الأمر الذي لا جدال حوله أن بعض عمليات البيع والشراء للبيوت والأراضي تتم بصورة قانونية حقيقية بحتة عبر وكلاء من اثنيات لا علاقة لهم بإثنيات الجنجويد بغرض التمويه ولكن أصل العملية يتم لمصلحة المشتري وفق ضمانات مع الموكل بالشراء…
(البكماء لا بتاكل ولا بتشرب) عبارة ذكية اطلقها سماسرة الاراضي باعتبارها اقصر الطرق للثراء في مقابل الإنفاق عليها، الارض في السودان قيمة اجتماعية اكثر من كونها اقتصادية او انتاجية او خدمية.
وبرزت ايضا قضية الارض البيضاء وهي الارض خالية المباني وسط المساكن في الاحياء مكتملة الخدمات وقيمتها متصاعدة لاسباب (هلامية ووهمية).
حتي بلغ سعر متر الارض في الحاج يوسف او امبدة مبلغاً اكبر من سعر متر الارض بخدماته في لندن او سويسرا والقاهرة، وخطورة هذه الارض من كونها لا يعرف مالكها او عمليات الشراء والبيع التي تجري عليها إلا عقب البناء وهنا سيظهر السكان الجدد…
الاستيطان اليهودي في فلسطين لم يكن معلوم النتائج الا عقب حرب 1948م بعد الهجرة المنظمة لتوطين يهود الشتات عبر مخطط دولي واقليمي نفذ عمليات البيع والشراء للأراضي قبل وأثناء وبعد حرب النكبة.
التي هزمت فيها الجيوش العربية نتيجة التغيير الديموغرافي الذي حدث في الارض وتغير المالك الاصلي الى المالك اليهودي بالقانون وعبر شراء الاراضي ومقابل مبالغ البيع اشترى الفلسطينيين شقق سكنية صغيرة في دول اللجوء والمهجر وطرد اليهود من بقي وسطهم من المتمسكين بارضهم…
اذكر في عهد الدكتور شرف الدين بانقا مفوض الشؤون الهندسية بمعتمدية العاصمة القومية تم تقنين الحيازات العشوائية القديمة وترحيل بعضها الى مواقع اخرى والى حين ذلك الوقت لم يتم الكشف عن هوية ملاكها المرحلين.
واتضح لاحقاً ان اكثر من 70% منهم لا زالوا في حكم الاجانب لايملكون الجنسية السودانية على الرغم من ان القانون يمنحهم نيل الجنسية بالتجنس ونسبة لاهمية امتلاك الحيازات عبر شهادات البحث حدثت هجمة شرسة لاستخراج الجنسية بالتجنس.
من تلك العناصر المهاجرة ليس من اجل تقنين الإقامة النظامية بل لانهم موجودون منذ الخمسينيات بالسودان ولكن لاجل اكمال اجراءات تسجيل الأراضي لهم في الموقع الجديد حتى اصبحت مناطق جنوب الخرطوم مستعمرات ديموغرافية انثروبولوجية جديدة ومن خلالهم وجدت المليشيا المتمردة ضالتها في تجنيدهم في عمليات النهب والسلب التي حدثت في الخرطوم منذ اليوم الاول للحرب،.
أيضاً حدثت تغييرات ديموغرافية بالجزيرة مما أفرز قضية سكان الكنابي الى ان أصبحت عصبة اجتماعية مطلبية بسبب مطالب حيازة وامتلاك الارض -وأيضاً- وجدت المليشيا المتمردة نفاج تنفذ من خلاله لتغيير الخارطة السكانية في ولاية الجزيرة والتجنيد لصالح عملياتها العسكرية..
ان مايجري من عمليات بيع وشراء الاراضي في الخرطوم والولايات التي تقع تحت سيطرة المليشيا المتمردة يتم بأفضل أسعار البيع والشراء لكافة استخدامات الاراضي، الزراعية والسكنية (المشيدة وغير المشيدة) والتجارية مما يؤكد ان هناك حملة منظمة لعمليات احلال وابدال السكان، مقابل ذلك هناك عمليات شراء للشقق في دول اللجوء من عائد بيع البيت او الارض في السودان…
الحقيقة الكارثية تقول ان عناصر المليشيا المتمردة يمتلكون المال عداً نقداً وان هناك جهات اجنبية ومحلية تقوم بعمليات التمويل لشراء اكبر عدد من الاراضي قبل وضع الحرب اوزارها سواء بالنصر الميداني او عن طريق تنفيذ اتفاق جدة ولكن وقتها هل سيكون المالك هو نفس المالك، وهل ستكون التركيبة السكانية القومية هي نفس التركيبة التي اقرها قانون تسوية وتسجيل الاراضي للعام 1925م وكذلك قانون الخطة الاسكانية القومية..
يجب على الحكومة اجراء تعديلات عاجلة في قوانين نقل ملكية وتسجيل الاراضي لتواكب الواقع على الارض وعليها ايضا مراجعة قانون حيازة الارض غير المخططة الذي تحكمه المادة 631 وما بعدها من قانون المعاملات المدنية لسنه 1984م وهو ما يطلق عليه في القانون بالحيازة الفعلية .
وهي ان الشخص الذي الذي يحوز الأرض هو صاحب الحيازة الفعلية بالبناء والسكن وذلك ان كل الأراضي الغير مسجلة ملكاً حراً للدولة، ولكن من الجائز ان يقوم المواطن باكتساب الحيازة، وهذا مدخل خطير للمستحوزين الجدد من عربان الشتات كما جرى في عمليات توطين يهود الشتات في فلسطين.