رحلة الموت بين السودان ومصر..قصص تدمي القلب
روى احد المسافرين من السودان إلى مصر عبر التهريب قصة تدمي القلب ، حينما واجه شبح الموت وعناية الله انقذته، بينما من كان معه يتساقطون جثثا الواحد تلو الآخر ، أطفال ونساء ومسنين وشباب إليكم القصة بتفاصيلها ..
قال الراوي : تحركنا من عطبرة مساء الثلاثاء الماضي بعد شردت الحرب اللعينة امننا وأغلقت علينا كل سبل المعيشة وعلى امل ان نجد ملاذاً امنا يقينا ويلاتها
وبدأت الرحلة بوضع كله جشع من سماسر البكاسي وهم يمتصون ما بجيبك بكل جشع سخيف في عطبرة واتجهنا شمال عطبرة حتى وصلنا قهوة السلام او قهوة الجيش في الطريق الرابط بين هيا وعطبرة ومنها دخلنا قلب الصحراء في تسارع جنوني تتدلا ارجلنا خارج حوض البوكس مثل مشابك الغسيل.
وغبار الصحراء يعمي العيون وحتى أتى علينا الصبح وصلنا لمكان اسمه الرتج وهو ابشع مكان على وجه الأرض يتحكم فيه أبناء قبيلة الرشايدة نعلة الله عليهم لا ماء لا اكل واي شيء بمقابل كوز الموية 200 جنية والماء كالذهب يباع وهم يستمتعون بذلك
وكان من المفترض في منطقة الرتج المشؤمة هذه يتم نقلنا بواسطة الرشايدة لداخل اراضي مصر حتي نصل للكسارة وهي تبعد عن اسوان 5 كيلومتر فقط
فقرروا بني رشيد انهم لن ينقلونا ما لم ندفع لهم 1000 جنية مصري اضافية او ما يعادلها بالسوداني وهنا بدأت المأساة فمعظم الناس لا يمتلكون هذا المبلغ في هذا القفار ولا وسيلة للتواصل حتي يمدك من تعرف بالمال لا اتصال ولا نت وفجأة ظهرت عربة تحمل جهاز استار لنك وبدا الناس تتهاتف عليها للاتصال بذويهم او بشخص يحول لهم المال فكانت ابشع صور الاستغلال والجشع من صاحب جهاز النت وبعد
ما الرشايدة نالوا مبتغاهم من المال وملؤوا بطونهم وجيوبهم النتنة بمال الغلابة تحركوا بنا للموت والمجهول وكان من المفترض ان يكون في ظهر كل عربة بوكس ما لا يقل عن نصف برميل ماء وهي كفيلة لانقاذ الارواح وكنا ما لا يقل عن 16 عربة بوكس تحمل كل عربة 15 شخص تقريبا
وتحركنا بعد الساعة 3 صباحا ونحن نسأل الله ان يوصلنا بالسلامة وحين أشرقت الشمس توقفت العربات واخرج الرشايدة سلاحهم يلوحون به تعبيرا عن سيادتهم علينا وما اشرقت الشمس إلا لمأساتنا فكانت تزداد درجة الحرارة بشكل غريب وسريع.
وبدأ الناس تشعر بذلك والعربات تنطلق بسرعة جنونية في رمال الصحراء والناس تستجدي سائقي العربات الهم الرشايدة بأن يعطوهم جرعة ماء فاعطونا القليل لا يكفي سد الرمق وبعد فترة بدأ الناس يدخلون في حالة جفاف وضربات شمس.
ولا اكذب ان قلت تعدت درجة الحرارة 70 درجة فتوقف العربات بسبب عطل في احد عجلات احدهم وعشان يغيروا عجل العربية وقفنا تحت وهج الشمس ساعتين ونحن نستجديهم بان يعطونا جرعة ماء ورفضوا لان الماء لهم هم فقط.
فكانت في تلك اللحظة طفلة اول من ماتت عمرها سنتين بدأت تصاب بالجفاف فسألناهم قارورة ما للطفلة فرفضوا والطفلة سلمت الروح وامها دخلت في غيبوبة من الصدمة وفي نهاية الرحلة وجدناها لحقت ببنتها وتوفت برضو بنفس السبب
وكان هناك رجل عمره 60 وعنده سكري يقول للرشيدي يا ولدي انا مريض عايز موية الرشيدي اعطاه جرعة تكفي رضيع وهو غضبان وتركونا واخرجوا ماعون وعملوا لنفسهم عصير تانج وعمنا المسكين صاحب السكري كان محتاج لكأس من هذا العصير وحاول اظهار غضبه لهم انهم منعنا الماء قام احد الرشايدة وهو يحمل سلاح كلاش بسحب خرطوش الماء وضرب الرجل المسن بلا رحمة او مراعاة لعمره
فقال له زميله الرشيدي
ويش علامك مع الكور هذا
فقال له يبي ماء
فقال له خله بطقاق لا تعطيه
وكلمه كور تعني العبد
يعني هم مجهولين الهوية شايفننا في بلدنا عبيد
وعمنا المسن سكت امام السلاح الذي يحمله الرشيدي وكلنا سكتنا والنار تغلي بداخلنا من هول المنظر وتحرك الركب ودخلنا في طقس لا يحتمل من شده الحرارة، وتوفى ذلك الرجل المسن ثم لحقه عم عثمان ابو شنب والسواق الرشيدي كان على اصرار انه يلقي بجثمان عم عثمان في الصحراء وحتى استعطفناه ان يبقي بجثمان لنهاية الرحلة.
وصرنا على هذا المنوال يتساقط الناس تباعا حتى اذا اصبحنا على بعد 50 كيلومترا من اسوان وفي منطقة صحراوية بالقرب من صخرة ضخمة يجلس تحتها شابين مصريين واظن انه تم بيعنا لهذين الشابين لانهم كانوا مجهزين بعض الشاي والقليل من الماء ونحن في حالة إعياء تكاد ان تزهق ارواح من تبقى احياء فهممنا في انفسنا ان ننال من هذا الشاب المصري جرعة ماء وكل بثمنه عايز ماء تدفع بس كباية الشاية بخمسين جنية مصري والرشايدة بسلاحهم ونحن شبح الموت يطوف فوق رؤسنا ويخطف الارواح من بينا
ما ادمى قلبي حقا ذلك الشاب وزوجته اسرة صغيرة مكونة من ام واب وبنت وولد عمر البنت 7 سنة و الولد 5 سنة اصيبوا بالجفاف وجرعة ماء كانت كفيلة بأنقاذهم فوقف الاب يتأمل اطفاله وهم يحتضرون امام عينه فسلم الغلام الروح وبعدها بدقائق لحقت به اخته والام اغمى عليها والاب وقف مزهول ويقول لي اسرتي ماتت اسرتي ماتت وانا اقول له اصبر فحضنته علي على امل انه يبكي ولكن من الصدمة الشاب بقت مشاعره متبلدة.
وبعد شوية صرخت إحدى نساء فذهبنا نحوها وامها كانت مرأة كبيرة في السن فسقط كما سقط البقية وسألتها معاك رجل قالت لي ايوة معاي اخواني الاتنين وابوي جاين في بوكس تاني لسه ما وصل، وحين وصل البوكس الذي يحمل اخويها الاثنين و ابوها انزلوا لها احد اخوانها جثة هامدة مات عطش ووضعوا الجثمان بالقرب من امه ورفض الاخ الاخر ان يفارق جثمان امه واخيه فحين جاءنا الانقاذ ذهبنا اليه وجدناه قد لحق بأمه واخيه.
واصبح الموت يحاصرنا بعد ما انزلونا في الصحراء عند ذلك المصري ، فأصبح مكاننا في الصحراء تكسوه 20 جثة لأشخاص فروا من النار الى الرمضاء.
وحين غابت الشمس قررت ان كان هذا اخر ايامي في الدنيا فالاموت وانا احاول النجاة فغدا سوف يكون يوما عصيب و انا لا اسطيع حمل اغراضي، وضربت الصحراء بغير هدى ولاحت لي من بعيد انوار عربيتين ولحسن الحظ كانت متجهة في نفس طريقي واوقفتهم والحمد لله طلعوا سودانيين من اولاد العبيدية يشتغلوا في منجم في الصحراء.
والله اولاد العبيدية ديل اظهروا لنا معدن السوداني الاصيل الحر الشهم ولد البلد بعد سقوني موية وعرفوا الحاصل جهزوا عربات بكاسي محملة موية وبدوا يسعفوا الناس ويسقوهم ونقلونا لحوش مجهز بكل شيء داخل اسوان واحضروا طبيب لاسعاف الناس وجهزوا وجبات ومحاليل وفي الحوش توفت الحاجة فتحية وبنت شابة اخرى.
لهم الرحمة جميعا نحسبهم شهداء عند الله ويشفي المرضى ويجازي الكان السبب.
الرشيايدة قوم لا امان لهم احذروا السفر معهم واحذروا كل الحذر السفر لمصر عن طريق عطبرة والله معظم الناس الكانوا مسافرين لمصر يبحثون عن العلاج او ايجاد فرصة لتعليم ابنائهم.
اني لاحزن على وطني الذي صار هم كل شخص فيه كيف يغادره