ثقافية

سنوات من الرحيل ..الفاضل سعيد .. (البريق الذي ما زال ساطعا)

الخرطوم _ زحل نيوز

قبل ثلاثة عشر سنة توشح المسرح السوداني بالسواد حزنا على رحيل رجلا ازهره وطوره وكان مهموما به حد الهم والانشغال ، رحل الفاضل سعيد في ذلك اليوم مخلفا شجنا كبيرا ودموعا امطرت كل ارض كان قد احياها بفنه الراقي ، بكى عليه الصغير والكبير ، كيف لا والراحل الفاضل سعيد كان يسعد جمهوره بما يقدمه من كوميديا مضحكة جميلة وانيقة ، وهادفة يا ما عالجت قضايا مجتمعية مهمة .

سعيد كان فنان رسالي يقدم فنه كي يخدم به شعبه ووطنه ، كل الأعمال التي قدمها كانت لاتخلو من رسالة واضحة، وقضية معينة يحرص ان يناقشها من خلال أعماله. وحتى آخر ايامه كان المسرح هو مايفكر به وكيف يتطور وبصبح مسرحا عالميا يقدم الشئ المطلوب الذي انشئ له ، الا ان يد المنون كانت اسرع ورحل الكوميدي الجميل في العاشر من شهر يونيو في العام2005م ، وعلى هذه المساحة نفدم بروفايل اقتبسناه من التوثيق الذي جمعه واعده ابني الراحل أكرم الفاضل سعيد والمهندس مجدى الفاضل سعيد ، وقدم دراسته الاستاذ السر السيد (1)

تقول السيرة الذاتية العطرةلللفنان الفاضل سعيد انه من مواليد حي بيت المال بمدينة أمدرمان في العام 1935 م ,, في اسرة ذات اصول و بيئة دينية وتاريخية لها أبعادها الحضارية، وهى منطقة دنقلا الغدار بشمال السودان . والده سعيد درار سلنتوت، ، فوالده يعرف اللغة العربية و يرطن ، والوالدة لا تعرف الرطانة ولكنها تجيد اللغة العربية. ازاء هذا التباين وجد الفاضل سعيد نفسه فى إطار تركيبة منحته ثراء ذهنياً وتربوياً وثقافيا واجتماعيا ,,

هذا وقد نشأ الفاضل سعيد من رحم هذا التاريخ وبكل هذا الزخم الانسانى الرائع احتضنتهم ام درمان حى بيت المال وودنوباوى وابى رووف وودارو ..و سوق الشجرة وسوق ام سويقة وسوق امدرمان واهله السواراب (ال سوار الدهب ) والقيلنجية( ال قيلى) وال خال العيال والحداحيد و التبداب و ال سلنتوت و الزبيراب .. منتشرين في جميع مدن و ارياف السودان . (2)

تشاء الظروف ان يكون مقرب جداً من ” جدته ” مريم بت حاج على قيلى ..شاعرة الانصار و احدى نساء ام درمان القدامى البالغة الذكاء المعروفة بأجتماعياتها وطرفها وقوة شخصيتها وهى التى تربى على يديها الفاضل سعيد الابن واخذ منها لاحقا شخصية بت قضيم….. والأسرة الكبيرة هى من استقبلت المهدى وانصاره فى بيت المال والملازمين وودنوباوي فيها من جاء مع المهدي من دنقلا مرورا بالجزيرة ابا الى ام درمان. ومنها من استشهد في معركة شيكان…

وهذا المكون لم يمض دون ترك آثار على مجرى حياته الثرة بتاريخ نضالى وجهادى ومجتمعى متعدد الشخوص والبيئات والثقافات والامكنةو المناخات النفسية التي عاشها كانت حريَّة بأن تجذبه وتشده حيث لم يكتشف ملكة التمثيل الاّ عندما أتيحت له الفرصة عند انتقال الأسرة من حي بيت المال الى ود نوباوي بأم درمان . و ألتحاقه بالكشافةالبرية .(ما سيأتي ذكره لاحقاً) (3)

بدأ الفاضل سعيد دراسته بخلوة الفكي الحوري ( ودكنه ) ثم مدرسة الهدايا الأولية التي تقع مباشرة شرق منزل السياسي الراحل عبد الله خليل ,, درس المرحلة المتوسطة بمدرسة الأقباط المتوسطة والمرحلة الثانوية بمدرسة فاروق والتي سميت بعد ثورة يوليو المصرية باسم مدرسة جمال عبد الناصر .

وفي العام 1959 م فرض الفاضل سعيد نفسه على المجتمع الفني وبدأت الصحف تتحدث وتكتب عنه مما لفت أنظار محمد عامر بشير فوراوي مدير مصلحة الاستعلامات والعمل آنذاك وأثناء جلوس الفاضل سعيد بقهوة جورج مشرقي في المحطة الوسطى بامدرمان والتي كانت عبارة عن منتدى ثقافي وفكري شامل لكل أوجه الحياة حضر إليه مدير الإذاعة خاطر أبوبكر واصطحبه إلى مكتب فوراوي ووجد بمكتبه الفنان أحمد المصطفى.

عندئذ أخرج فوراوي من درجه مجموعة جرائد وأشار إلى موضوعات تتحدث عن الفاضل سعيد وقال له : إنني لا أعرفك إلا من خلال ماكتب عنك وما قرأته عنك كفيل بان يجعلني أثق فيك فنحن نريد تأسيس مسرح للإذاعة يتولى فيه أحمد المصطفى هم الغناء فيما تتولى انت هم التمثيل ,, وهكذا فقد قام مسرح الإذاعة الذي كان يطلق عليه مسرح البراميل وكانت نشأته هي نواة للمسرح القومي السودان (4)

أول أعماله المسرحية كانت مسرحية (دستور يا سيادي) وهي مسرحية اجتماعية تدعو لمحاربة الزار وهي اقتباس من مسرحية ( مدرسة الفخار ) لنجيب الريحاني وكان ذلك في 23/11/1958 م ,, وتوالت بعد ذلك أعماله المسرحية التي ارتكزت في كل مقوماتها على هموم المجتمع السوداني دون توقف حتى ساعة رحيله ,, ارتبط الفاضل سعيد بشخصيات نمطية متأثرا في ذلك بشخصية كشكش بيه عمدة كفر البلاص الذي يمثل الصعيدي المصري وكذلك ظهرت شخصيات بلبل وكان العجب أمه إضافة لهذه الشخصيات.

وهو الإنسان السوداني الذي بكل طيبته وببساطته يصطدم بواقع حياتي يتجافى مع طبيعة تكوينه ويصارع من أجل الاحتفاظ بخصائص الإنسان السوداني من ظواهر العصر التي تحاول ان تفتت قيمه ومدعمة تلك الشخصية بجزئيات من حياته ,, وبت قضيم التي ابتدعت لبرنامج ركن المرأة خصيصا وكانت ترفض القبيح من القديم وتؤمن على الجميل من القديم وهي إن كانت تقليدية الفكر والأسلوب ولكنها أصيلة ولدت في بيئة سودانية وتشبعت بالقيم والسلوك القويم .

ولم تكن شخصية بت قضيم في تخطيطه لجعلها شخصية مسرحية لولا أهل مدينة ود مدني الذين طالبوا بها بشدة عندما ذهب إليهم في عروض تمثيلية بعد ان تعرفوا عليها في الإذاعة وكذلك شخصية كرتوب الذي يقابل شخصية بت قضيم من الرجال وهو الرجل الطيب المسحوق والضمير الحي للأمة الذي لايقول للأعور انت اعور في عينه ولكنه يقول له ان لديك عين صالحة ..والكرتوب هو الجلد الناشف.. والقضيم هو محصول نباتى يستخدم كمشروب ومن هنا اخذ تسمية شخوصه لتتماشى مع منتج ومورث سودانى خالص وجديد ومميز وذو دلالات

(5)

يتمتع الفاضل سعيد أيضا بموهبة الشعر ولديه ديوانا باسم أغاريدي ومسرح الكلمات لم تطبع بعد ,, تعاون مع الفنان الراحل محمد أحمد عوض في أغنيات رجاء ( أبوي ماتقول ليه لا ) والبوسطجي وضربت ليه تلفون ,, وتعود قصة أغنية أبوي ماتقول ليه لا إلى سفر الفاضل سعيد في رحلة فنية بالقطار إلى مدينة بور تسودان مع الفنانين إبراهيم عوض وصلاح محمد عيسى ومحمد أحمد عوض وكان يرافقهم لتقديم وصلات فكاهيةأثناء الفواصل الغنائية وأثناء الرحلة قام الفاضل سعيد بغناء قصيدة رجاء وبعد أدائه للأغنية وجدت إعجاب من الجميع خصوصا من الفنان محمد أحمد عوض الذي تغنى بها بعد ذلك وأصبحت من أشهر الأغنيات السودانية .-

(6)

الفاضل سعيد يعشق اغنيات احمد المصطفى وكابلى ووردى ومحمد احمد عوض وابراهيم عوض وكانوا اصدقائه ..وله صداقة خاصة مع مولانا عوض الله صالح العالم ومفتى السودان سابقا والطيب محمد الطيب صاحب برنامج صور شعبية والفكى عبد الرحمن مدير المسرح القومى والمربى الجليل ود.عوض دكام حيث كانوا يلتقون دوريا كل جمعة فى منزل احدهم ويحب الاستماع الى صوت القاهرة و بي بي سي و هنا امدرمان ..ويعشق صوت ام كلثوم.

(7)

جميع اعمال الفاضل سعيد من تأليفه واخراجه وبطولته عدا مسرحية (جارة السوء) للكاتب الكويتى عبدالله السريع سفير الكويت السابق بالسودان…وله اكثر من 200 عمل اذاعى باذاعة امدرمان من تأليفه وبطولته..واربعة مسرحيات للتلفزيون وفلم تلفزيونى باسم فك الارتباط للمؤلف مين محمد احمد ومسلسل موت الضان من تاليفه واخراج صلاح السيد من 22 حلقة.. واكثر من خمسون مادة درامية تلفزيونية مسجلة وبثت من خلال التلفزيون القومى وحلقات رمضانياتخ التلفزيونية وحلقات من كل نبع قطرة التلفزيونية..ويوميات سائق تاكسى ورمضانيات الاذاعية (8)

قدم الفاضل سعيد اكثر من سبعة الف عرض مسرحى فى كل مدن السودان ، وقد بعدد من الشخصيات التي شكلت حضوراً طاغياً على المسرح السوداني اشهرها شخصية (بت قضيم) الحبوبة الكبيرة سليطة اللسان الناقدة بذكاء لكثير من المظاهر والظواهر الاجتماعية إلى جانب شخصية (العجب) وشخصية (الحاج كرتوب) وهى جميعها نماذج كاريكاتيرية حية بالمواقف الناقدة الساخرة . هذا جزء بسيط من سيرة الفنان الدكتور الفاضل سعيد نسأل الله له الرحمة والمغفرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى