
عادل الباز: حرب الصهاينة في الخليج.. السودان في عين العاصفة (١-٢)
1
للسودانيين أغنية شهيرة تغنّى بها الفنان محمد الأمين يقول فيها: “بدل الواحد بقوا همّين”… والحقيقة أن هموم السودانيين باتت لاتعد. فكلما انفجرت أزمة، سواء في الجغرافيا القريبة أو البعيدة عنهم، كما هو الحال مع دول الخليج، تأزمت أوضاعهم وتصاعدت معاناتهم.
عندما تندلع الحروب في الدول المحيطة بالسودان، يكون السودانيون هم أول الضحايا. ملايين اللاجئين يتدفقون إلى داخل حدودهم. حين اندلعت حرب جنوب السودان بعد الاستقلالهم، لم يجد الجنوبيون ملاذًا آمنًا سوى العودة إلى السودان. حدث ذلك أيضًا بعد اندلاع الصراع الإثيوبي الإريتري في تسعينيات القرن الماضي، ويتكرر الآن مع الصراعات الإثيوبية الداخلية ومع النزاعات على الحدود الغربية مع تشاد وأفريقيا الوسطى.
كل صراع في المنطقة يدفع السودانيين ثمنًا مضاعفًا. حين تفجرت الحرب الأخيرة داخل السودان، نتيجة تآمر خارجي كذلك، دفع السودانيون الثمن نزوحًا وتشريدًا ولجوءًا. هم يدفعون الأثمان مرتين: مرة في حروبهم، ومرة في حروب الآخرين.
(2)
الآن، يخشى السودانيون مجددًا أن يدفعوا ثمن حروب الخليج. فقد سبق أن دفعوه في تسعينيات القرن الماضي، حين غزا العراق الكويت. يومها لم تُرضِ مواقف السودان دول الخليج، فتعرضت البلاد للمقاطعة والعقاب، وأُجبر آلاف السودانيين على العودة قسرًا. فدفعوا ثمن حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
واليوم، مع الحرب المشتعلة بين إيران وإسرائيل، يخشى السودانيون أن يدفعوا الثمن مرة أخرى، لا سيما وأن وطنهم غارق في حرب ضروس، تموّلها واحدة من دول الخليج نفسها. حرب شردت الملايين. وأي اندلاع لحرب شاملة في الخليج الآن، لن يزيدهم إلا معاناةً، ولن يزيد حال بلادهم إلا سوءًا.
(3)
أكثر من 70% من السودانيين يعتمدون حاليًا على تحويلات ذويهم المقيمين بالخليج. ومع تصاعد النزوح بعد حرب الجنجويد الأخيرة، ارتفعت معدلات الهجرة واللجوء إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تجاوز عدد المهاجرين أكثر من ثلاثة ملايين. في مصر وحدها، يعيش الآن أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ ومهاجر سوداني.
هؤلاء فقدوا مصادر دخلهم بالكامل، وأصبحوا يعتمدون كليًا على أقاربهم العاملين بالخارج، خصوصًا في الخليج. لذا، فإن اندلاع حرب شاملة هناك من شأنه أن يؤزم الأوضاع الاقتصادية للجاليات السودانية بالخارج، التي تتحمل عبء إعالة الداخل والخارج معًا.
تشير بيانات البنك الدولي إلى أن التحويلات إلى السودان في عام 2023 بلغت نحو مليار دولار، بينما تقدّر بعض المصادر المحلية أنها ارتفعت إلى 4 مليارات دولار بعد اندلاع الحرب. هذه التحويلات هي الرئة التي يتنفس بها الاقتصاد السوداني، وأي اضطراب في الخليج سيُضعفها، أو يوقفها تمامًا. وهذا رقم ضخم، يعكس عمق الاعتماد على الخارج، ومدى هشاشة الداخل.
(4)
أي اضطراب في أمن الخليج، خاصة في دول مثل السعودية والإمارات وقطر، سيؤدي إلى
توقف التحويلات المالية، ما يفاقم أزمة النقد الأجنبي.
تقليص فرص العمل، وما يتبعه من إنهاء عقود وترحيل جماعي محتمل.
ضغط إضافي على سوق العمل السوداني، الذي يعجز أصلًا عن استيعاب العائدين.
ارتفاع التضخم وتدهور الجنيه السوداني بشكل أسرع في ظل غياب تدفقات مستقرة.
تعطل سلاسل الإمداد عبر البحر الأحمر والخليج، ما يهدد وصول الوقود والدواء والقمح. ومع تصاعد الحرب وامتدادها داخل حدود دول الخليج، من المرجّح صدور قرارات أمنية مفاجئة تمس الجاليات، وقد تؤدي إلى الترحيل أو تقليص أعدادهم لأسباب تتعلق بالأمن القومي لهذه الدول.
(5)
من أخطر ما يُخشى منه أن يتحول الاهتمام الدولي إلى الحرب في الخليج، وتُعاد توجيه المساعدات الإنسانية نحو مناطق الصراع الجديدة، مما يجعل الأزمة السودانية “ثانوية” في نظر المجتمع الدولي. وهذا ما قد يُطيل أمد الحرب في السودان، ويعمّق معاناة شعبه.
كما أن الغالبية العظمى من السودانيين المقيمين في الخليج يعيشون في المدن الكبرى، ما يجعلهم معرضين للخطر المباشر في حال تصاعد النزاع ووصوله إلى قلب هذه المدن.
(6)
لا شك أننا نعيش لحظة خطرة وحساسة في تاريخنا، فأي تصعيد عسكري في الخليج لن يكون بعيدًا عن بلادنا، سواء على مستوى الدولة، أو المواطن، أو المهاجرين. ولهذا، فإن كثيرًا من السودانيين ينظرون إلى ما يحدث بين إيران وإسرائيل باعتباره تهديدًا مباشرًا لأمنهم ومستقبلهم، لا مجرد أزمة إقليمية بعيدة.
الله يستر على الخليج وأهله… وعلى شعبنا أيضًا، ويجيب عواقب حروب الصهاينة سليمة… نحن حقًا… لسنا ناقصين.. ولكن السؤال الان ماذا نفعل حال اندلعت تلك الحرب الشاملة في الخليج والمتوفع اندلاعها بحسب اعلان “رجل السلام العالمى ورائد الحروب” الرئيس الامريكى “ترمب” في غضون اسبوعين..ماذا سنفعل كسودانيين دولة وشعبا.؟.نواصل”