من الواضح أن الحرب الآن في نهاياتها، بانتصار كاسح للجيش السوداني البطل والقوات المساندة له على المليشيا المتمردة. بدأ السكان يعودون لبيوتهم وأماكن اقاماتهم، ولكنهم مواجهون بانعدام مصادر الرزق والعمل، وذلك للدمار الكبير الذي تسببت فيه مليشيا الدعم الصريع المتمردة للمصانع والأسواق وكافة مرافق الإنتاج، فما العمل؟
للدكتور عباس طه حمزة صبير، الأستاذ بكلية الطب البيطري جامعة الخرطوم تجربة مفيدة جداً في السكن المنتج، أو الزراعة المنزلية، سماها نظرية (المتر المربع) وتعني عقد العزم على الاستفادة من كل متر مربع داخل البيت للإنتاج.
لقد استغل الدكتور عباس المساحة المتاحة في منزله لتربية الماعز الهجين، وتسمين الضأن، وتربية الدواجن، وزراعة الأشجار المثمرة من المانجو الجنوب إفريقي، والقريب فروت، واليوسفي، والليمون، والتين، والنبق الفارسي، والبلح، والموز. فضلا عن زراعة الخضروات مثل الطماطم والعجور والجرجير، والشمار الأخضر، والبقدونس، والفلفلية، والشطة الخضراء والبامية والباذنجان، والبقوليات مثل الفول المصري والفاصوليا وعيش الريف والعدسية،
والبهارات مثل الحلبة والكسبرة والبرسيم أبو سبعين.
كما قام الدكتور بحل مشكلة الطاقة لمسكنه من خلال انتاج البيوغاز من روث الماعز والضأن الذي تمت تربيته داخل المنزل، ومن خلال الشجيرات الخضراء التي تنمو عشوائيا في المنزل وأوراق الموز وسيقانه وعيدان ومخلفات المزروعات مثل الفول المصري والفاصوليا والعدسية ومخلفات الخضروات والفواكه وكناسة المطبخ من بقايا وقشور الخضر وبواقي الطعام التالف.
لقد قدر الدكتور عباس الدخل من هذه الأشجار المثمرة وبقية الأنشطة داخل السكن المنتج وخلال موسم واحد بأكثر من ثلاثة مليون جنيه سوداني قابلة للزيادة. كل هذا الإنتاج الكبير تم في مساحة لا تتجاوز 500 متر مربع.
هذه التجربة الممتازة مثال يحتذى، غير أن تعميمها على آلاف الأسر يحتاج من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني لمجهود كبير في أربعة مناحي. الناحية الأولى الاعلام والتوعية من خلال مواد تبث بكثافة في كافة الوسائط، ويمكن للمنظمات الطوعية المساعدة في جهود التوعية.
الناحية الثانية المهمة توفير الارشاد الزراعي والتقاوي والأسمدة الطبيعية، وفي هذا المجال يوصى بإعادة الزراعيين للعمل خصوصاً في ولاية الخرطوم ذات الكثافة السكانية العالية.
الناحية الثالثة تنظيم المواطنين في شكل جمعيات تعاونية إنتاجية يتاح لها الحصول على التمويل الأصغر بضمان المجموعة من البنوك. وفي هذا الإطار يوصى بإعادة تنشيط إدارات التعاون ومسجلي الجمعيات التعاونية في مختلف الولايات.
الناحية الرابعة رعاية السادة ولاة الولايات للجمعيات التعاونية الإنتاجية، ومنحها مواقع متميزة في الأسواق لتسويق وبيع منتجاتها.
هذه التجربة المتميزة في القطاع الزراعي يمكن أن تتكرر في قطاع الصناعات الصغيرة من خلال جمعيات تعاونية شبابية تعمل في انتاج الطوب للبناء، وفي تعبئة الخضروات والفاكهة، وتعبئة البهارات، أو مجال انتاج الصابون والمنظفات وغيرها.
وفي قطاع الخدمات يمكن للجمعيات التعاونية الإنتاجية العمل في مجال جمع النفايات وإعادة تدويرها في شكل أطباق لحفظ البيض، وتدوير قناني البلاستيك في شكل حبيبات وقطع بلاستيك قابلة للتصدير للخارج.
ان تخطيط كل أسرة للعودة ينبغي أن يتضمن تفكيرها في تشغيل أفراد الأسرة جميعهم شباب وشابات، حتى لا يفاجئوا بانعدام مصادر الدخل. والله الموفق.