منى أبوزيد تكتب: مستقبل الحسد في السودان!
منى أبوزيد تكتب: مستقبل الحسد في السودان! ” الأدباء الألمان يغفرون لزملائهم كل شيئ عدا النجاح” .. مارسيل رايش رانيكي!
في حوار نشرته صحيفة المجهر السياسي قبل نحو عام من اندلاع ثورة ديسمبر في سودان ما قبل الحرب، سألت الزميلة سوسن يس الدكتور حسن مكي عن أسباب انسحابه من حزب المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وهل الأفضل الانسحاب أم القيام بدور إصلاحي ..!
“ماعندي طاقة”، هكذا أجاب على السؤال، فهو يوفر طاقته المحدودة للبحث والتدريب الأكاديمي وأكل العيش، لأن الطاقة المحدودة – بحسبه – لا يجب إهدارها في ما لا جدوى منه من الصراع والخصومات في ظل حكومة لا تريد معها أشخاصاً أقوياء، والنتيجة باختصار “لا يوجد عقل سياسي في السودان”..!
وهي كما ترى إجابة وفاقية تحمل بعض الشروحات المُسالمة بشأن موقف الدكتور حسن مكي السِّلمي من قضية تفشي الحسد في مجتمعات النخب السودانية. تلك القضية التي أشار إليها الصحفي الأستاذ الشهيد محمد طه محمد أحمد، وخصص لها الأستاذ فتحي الضوء مقالات ناقشت انتشارها في مجتمعات السياسة السودانية..!
وكانت صحيفة آخر لحظة قد نشرت – في ذات الفترة – تغطية لندوة بقاعة الشارقة من إعداد الزميلة أحلام الطيب، تحدث خلالها الدكتور منصور خالد عن دور الغيرة والحسد في إفشال اتفاقية السلام الشامل في السودان..!
فالنخبة السياسية التي أدمنت الفشل – بحسبه – مصابة بالغيرة والحسد من نجاح الآخر، والكثير من الإخفاقات السياسية في السودان تحدث بسبب الغباء، والحساسية من نجاح الآخر وهذا أمر يصعب علاجه، حتى لو تطوع لدفعة كبار العالماء كافة ..!
إذن فقد اتفق هذان المفكران – قبل عام من اندلاع ثورة ديسمبر، في سودان ما قبل الحرب – على الشعور بالإحباط والكآبة جراء تفشي ظاهرة الحسد وصور تأثيرها المباشرة على مصائر الاتفاقيات وسلوك الساسة والحكومات..؛!
ثم أنهما قد التقيا عند حقيقة مؤكدة هي تنوع وجوه الفشل السياسي والإداري في سودان ما قبل الحرب، والحقيقة أن مثل هذا الاتفاق على التشاؤم كان أمراً خطيراً يستوجب القلق الإعلامي اللازم قبل السياسي، لذلك فقد استوقفني يومها وكتبت مقالاً بشأنه في حينه..!
على الرغم من الاختلاف المنهجي بين د. حسن مكي ود. منصور خالد” إلا أنهما مثقفان “لا منتميان” بحسب تعريف “كولن ولسون” الشهير للشخص اللا منتمي، الذي لا يستطيع أن يقبل ما يراه ويلمسه في الواقع من حوله لأنه – ببساطة – يرى أكثر وأعمق من اللازم..!
والعالم من وجهة نظر كليهما يجب أن يكون معقولاً وليس منظماً، فاللا منتمي – أياً كانت طبيعة انتمائه الفكري أو لونه السياسي – يقول رأيه بشجاعة وصراحة لإيمانه العميق بأن الحقيقة يجب أن تقال، وبأن الفوضى يجب أن تواجه مهما كلف الأمر، وإلا فلن يكون الإصلاح ممكناً ..!
وهما – وإن اختلفت زاوية النظر عند كل منهما – كانا يدركان طبيعة الأساس الواهي الذي كانت تنهض عليه الممارسات والمفارقات السياسية في سودان ما قبل الحرب، وكان يشعران بالإحباط والكآبة لأنهما كانا أكثر حساسية وذكاء من جموع المتفائلين الذين كانوا يتقلدون المناصب ويتصدرون المنابر ويسودون الصحائف بأفكار ورؤى، لا يعني سطوعها – أبداً – أنها تمثل دليل الطالب لما ينبغي أن يكون عليه الواقع السياسي المطلوب ..!
ولئن كان هذان المثقفان قد اتفقا على الشعور بعزلة الأفكار والمقاصد – في ظل تخبط سياسي طال أمده، وضمور اقتصادي استطالت كوارثه قبل ثورة ديسمبر، فكيف تكون حالنا نحن اليوم في ظل هذه الحرب، وكيف تكون حالنا غداً في سودان ما بعد الحرب. كيف يمكن أن نسهم في صناعة الفرق وكيف يمكن أن نشارك في تأسيس المستقبل ..!
رغم تأثري العميق باتفاق هذين المثقفين على بؤس الواقع المعيش قبيل الثورة وقبل الحرب، إلا أنني – ولسبب لا أدريه – أؤمن بأن الفوضى التي تغشانا، وأن التخبط الذي يحيط بنا ما هي إلا مراحل نعيشها على سبيل التأقيت. لن يكون اجتيازها سهلاً – بطبيعة الحال – لكنه في ذات الوقت سيكون ممكناً ..!
أوَّل وأوْلَى خطوات الإصلاح المنهجي – في تقديري – تكمن في حسن الاستماع إلى حديث أولئك اللا منتمين من المثقفين والسياسيين، الذين قد تعبِّد أفكارهم المتشائمة بعض الطريق إلى سودان المستقبل!.