“لم أقل أبداً إن كل الممثلين أغنام، بل قلت إنه يجب معاملة كل الممثلين وكأنهم أغنام”.. ألفريد هتشكوك..!
جمهورية محدودي الدخل هي التي تصنع التيارات السياسية وهي التي تقود دفة الإصلاح الاقتصادي، فتُجَنِّب مجتمعاتها شرور انقلابات العسكر ونوازع ثورات الجياع، ووقوف الحكام على أعتاب الحروب..!
الطبقة الوسطى – بحضورها الديناميكي الحق وليس الاستهلاكي الذي نشهد – هي ضالتنا التي ما كانت لتُصَعِّر خدها لتصدع الأخلاق في زمن الفساد، وما كانت لتشيح بوجهها عن وعكة الأوطان في عهد الربيع..!
قبيل اندلاع الحرب وقبل انقضاض العسكر على شلة القحاتة الذين كانوا يتفننون في إظهار قلة الخبرة وقلة الحيلة في مواجهة تمكين فساد لجنة إزالة التمكين، تفاقمت مظاهر الخروج على المألوف والمعروف من حال السودانيين وتعرض المجتمع السوداني لبعض الهجمات المرتدة على منظومة قيمه..!
وكانت بعض صحف الخرطوم لا تستنكف عن نشر الأخبار الاجتماعية التافهة على غرار حكاية الشاب الثلاثيني الذي شوهد في أحد المقاهي بمنطقة بحري وهو يقدم لخطيبته فنجاناً من الدموع التي ظل يسكبها طوال الليل بعد شجار كان قد وقع بينهما..!
ولأن الناسَ على دين ملوكهم فقد تزامن ذلك الخبر مع أخبار توجيه السيدة عائشة موسى السعيد، عضو المجلس السيادي وقتها باستبدال اسم دار التائبات “في أثناء زيارتها له” باسم سجن النساء، لأننا – معشر النساء – تائبات بالفطرة..!
ولأن السيدة عائشة لم تحدثنا – إلى جانب تغيير الاسم – عن أي قرارات عاجلة بشأن تطوير بيئة السجن وإصلاح أحوال السجينات، فقد انشغلت بعض صحف الخرطوم بالاستقصاء عن بعض مظاهر نظام التفاهة..!
فاستنطقت عامل المقهى الذي أكد أن مسألة فنجان الدموع تلك هي إحدى فصول حكاية خطبة طويلة ظلت بانتظار اكتمال فصولها بزواجٍ يتحول فيه الهمس إلى شخير، ويتمدد فيه الملل على أريكة الشغف ..!
ومن ثمَّ يأتي حمودي بكل أعباء انزلاقته الوجودية، قبل أن يَشُدَّ من أزر شقاوته قدوم ألوية. وفيما بعد يتحول الفنجان إلى أيقونة لفك طلاسم بقايا قهوة زوجة فضولية على يد عرافة مستهبلة..!
ما الذي يعنينا من كل ذلك؟. الذي يعنينا يا صديقي هو قراءة ظواهر السطحية والسذاجة التي كانت تتمدد وفقاً لعلاقةٍ طردية تربطها بسلوك الأيقونات المدنية لحكومة ما بعد الثورة..!
وحتى تفهم ما أعنيه بطردية العلاقة بين سلوك الحاكم والمحكوم دعنا نسترجع صور معظم العلاقات العاطفية للمنتمين إلى الحزب الحاكم في عهد الإنقاذ، وكيف كانوا يلتقون في الندوات الدينية، ويذهبون معاً إلى التلاوة..!
وكيف كانوا يرفعون السبابة ويرددون الله أكبر كلما أكد لهم الرئيس البشير أن أمريكا تحت حذائه، ثم كيف تحولت معظم الآنسات في تلك الحكايات إلى زوجاتٍ أُوَلْ، بعد انتشار ظاهرة التعدد. لعلك قد فهمت الآن مقصدي..!
لماذا كان بعض العشاق – في عهد شعارات ومماحكات حكومة حمدوك – يختزلون مسألةً هائلةً كثبوت الإخلاص في حفنة دموع..؟
لأن حكامهم كانوا يقدمون قُصاصات الحواشي عوضاً عن تقديم الأفعال ذات الجدوى التي تُحدِثُ التغيير المطلوب، في جذر المُتون وفي أصل القضايا..!
إنها مِحنة الثورة التي خذلها جَوَر الناطقين باسمها والعاملين لغيرها بالتدليس والإقصاء. فكيف لا تُحاك المؤامرات الداخلية بين فوهات البنادق إذن..!
وكيف لا تتسلل الأطماع الخارجية في غفلة معظم قوى الشعب المدنية. وكيف لا يحدث ما حدث!.