منى أبو زيد تكتب: حميدتي يُعرب عن قلقه!
منى أبو زيدمنى أبو زيد تكتب: حميدتي يُعرب عن قلقه!
“كل التعميمات خطيرة بما في ذلك هذا التعميم نفسه”.. ألكسندر دوما!
أسرع عملية تفاوض لم يكتب لها النجاح كانت بين والدي وتاجر مواد بناء صارم القسمات ظل متمسكاً بالسعر الذي حدده سلفاً، ثم أشار بكلتا يديه نحو أكوام السيخ وهو يقول بلهجةٍ حاسمة “خلوه قاعد لا بياكل ولا بيشرب”..!
في حوار مُهم نُشر بهذه الصحيفة يوم أمس سأل الزميل محمد جمال قندول السيد محمد بشير أبو نمو – رئيس الوفد التشاوري لمباحثات جدة – عن الحيثيات التي بنوا عليها توصيتهم للحكومة بعدم المشاركة في منبر جنيف..!
فأجاب بأنهم وجدوا أن الأمريكان قد جاءوا إلى جدة بأجندة جاهزة دون مشاورتهم في الإعداد، ولم يقدموا سبباً واحداً لنقل المفاوضات إلى سويسرا، وفشلوا في توفير أي ضمانات لتنفيذ مقررات منبر جدة..!
وفي معرض الإجابة على ذات السؤال أشار السيد رئيس الوفد إلى ترتيب سابق كان يقضي بأن يكون الوفد السوداني عسكرياً، تم تعديله بقبول وفد يمثل الحكومة في مباحثات جدة مع التمسك بوجوب أن يكون الوفد السوداني عسكرياً بقيادة رفيعة في حال قررت الحكومة السودانية الذهاب إلى جنيف..!
فضلاً عن أن الموقف الأمريكي – بحسب قراءة الوفد السوداني – كان ينتهج المعاملة بالمزاج ويستبطن التهديد والوعيد..!
على صعيد – يبدو وكأنه آخر لكنه – وثيق الصلة بمباحثات جدة، خرج دوبلير قائد مليشيا الدعم السريع على المجتمع الدولي بجملة تصريحات – لا جديد فيها على الصعيد السوداني – أعرب فيها عن قلقه من غياب الأمن ومن الانهيار الدستوري الكامل..!
وأكد على عدم شرعية الحكومة الحالية التي انتصروا هم رغم وجودها على الفلول وانتقلوا إلى ملاحقة المتفلتين. وأعلن عن مشاركة الدعم السريع في مفاوضات جنيف لوقف الحرب، ورجح عدم سماح الحركة الإسلامية للجيش بالذهاب إلى التفاوض لتحقيق السلام..!
لاحظ معي أن الإعراب عن القلق – على نحو مباشر وغير مباشر – قد صدر عن الطرفين، قيادة المليشيا ووفد الحكومة، وهذا توافق يخالف طبيعة الأشياء، لأن طعام زيد في هذه الحال هو سمٌ لعمرو..!
وعليه فإن الإعراب عن القلق الصادر عن أحد الطرفين هو في غير محله وفيه لبس بيِّن، فإما أن التقارب بين الإدارة الأمريكية وحكومة السودان واعد ومثمر وبالتالي فهو مقلق للمليشيا..!
وإما أن التقارب بينهما غير مثمر وغير واعد بأي تطورات مستقبلية على كافة الأصعدة والمنابر، من مباحثات جدة إلى مفاوضات جنيف..!
معلوم أنه لا مواقف بلا مصالح في المعاملات الدولية، لذا فإن حكومة السودان هي التي تقع على عاتقها مسئولية زراعة محصول الثقة عوضاً عن أشجار الظن التي ظلت الإدارة الأمريكية ترقب أفعال السودان تحت ظلالها، لا بد من إقناعها أولاً بشرعية وجودها وعدالة مواقفها..!
ومن ثم الاستفادة من وصيتها أو تأثيرها على بعض الحكومات الداعمة للمليشيا، وهذا ليس صعباً بعد أن حاور وفد يمثلها وفد الحكومة وبعد أن أدانت بعض موسساتها المهمة مليشيا الدعم السريع، وبعد أن قال مبعوثها إن قوات الدعم السريع لا مستقبل لها في السودان..!
وبعد أن حذت حذوها – بالتبعية – قنوات عربية عدلت صياغتها لبعض المسميات والأخبار الخاصة بالسودان. وكل هذا يعني أن المواقف القادمة لحكومة السودان ينبغي أن تكون منفتحة على كل المقترحات الدولية الآمنة، مع تمسكها بحقها في تحديد كلفة الحرب وثمن السلام، على طريقة تاجر مواد البناء في الحكاية أعلاه!.