مقالات

من المسافة صفر.. بلاغ ضد مجهول      

د.سلوى حسن صديق

من المسافة صفر.. بلاغ ضد مجهول | د. سلوى حسن صديق.

من المسافة صفر.. بلاغ ضد مجهول | د. سلوى حسن صديق. | علي غير العادة كانت في ذاك اليوم مستبشرة فرحة كأنه يوم زفافها. رغم الحزن الذي لازمها خلال الاشهر الفائتة بعد النزوح الا انها في ذاك اليوم كادت ان تضع لها جناحين كما وصفتها امها.

من المسافة صفر.. بلاغ ضد مجهول

نظرت إليها والدتها نظرة عميقة وتأملتها قائلة لها ( مصرة علي موقفك يابتي..المرة دي اسمعي كلامي ) قالت لها ذلك ولم تنتظر اجابتها ثم استدارت لتخفي عينيها اللتان اغرورقتا بالدموع.

لحقت بها الابنة متوسلة ( يا أمي عليك الله اديني خاطرك) ثم حضنتها وهي جزلي..

لم يكن امام الأم خيار امام إصرار إبنتها وهي تعلم تعلقها بوالدها وتعلق والدها بها منذ صغرها وهي واسطة عقد ولدين وبنتين ولكنها انضر الثلاثة.

اردفت الأم في حنان ( ربنا يغطي عليكم الحافلة بتصل بعد شوية )

وافقت الأم ولكن قلبها كاد ان ينفطر ثمة شئ يزلزل إطمئنانها ويزعزع سكينتها.

اخذت تقرأ في الايات ثم اسلمت امرها لله.

بضع دقائق وخرج اهل الحي يودعون المجموعة من النازحين التي قررت العودة إلي الاماكن الآمنة في العاصمة.

( لحظات ويمشوا ) (ان شاء الله نحصلهم قريب) قالتها الأم لابنائها وهي تهاتفهم في مغتربهم، ثم عادت تتأمل إبنتها وسط مجموعة نساء هي اصغرهن .

غادروا ثم دخلت الأم ودخلت معها نسوة، إنفجرت الأم باكية فبكين كلهن لبكائها ( انا ما مرتاحة ) قالتها الأم ثم صمتت.

شقت الحافلة الطريق المعتاد الذي ظلت تتواصل به العربات بعد الحرب وهو طريق وعر ولكنه امن .

بدأت الرحلة ثم توغل الركب حتي إلتقتهم حامية الجيش نزل الجميع ثم إلتحموا باخرين ،زغردت النساء وكبرالرجال وهللوا فرحا بجيشهم ثم إنطلقوا اخري .

سارت الرحلة علي المألوف حتي وصلت منحدر جبل صغير اخذوا يعبرونه سريعا خوف التأخير ولكن ارادة الله غالبة.

لقد وقعت الواقعة ونزلت الطامة.

من طريق دائري متعرج ظهرت مواتر يمتطيها ثلاثة من متمردي الدعم السريع الأوغاد بأسلحتهم وما ادراكما اسلحتهم .

تحوقل الركاب واخذوا يرددون الحسبنة، لقد هلكنا الله يستر ،قالها احدهم.

اخذ الناس يتحسسون امتعتهم ،هواتفهم واموالهم ،الاهو..

والد الفتاة، إستدارت عيناه نحوها في هلع بادي ثم قال لها ( ماتخافي )

ردت عليه في اشفاق وحب كعهده بها ( الله كربم با ابوي )

لحظات وإنفتحت طاقات جهنم علي الركاب واخذ الاوغاد يعوثون فسادا في كل الأمتعة ،تارة يضربون الرجال او يتوعدون النساء بالفاظ نابية وقبيحة.

كل ذلك والحيل تضيق علي الأب ، وتضيق بضيقها الدنيا عليه ،عيناه لاتكاد تفارق عينيها الزائغتين هولا ، كأنما تبحث عن الامان في بؤبؤتي والدها و التي تحولتا الي شرار.

ها قد اقتربوا من مقعدها ، ثم وقعت اعينهم علي الفتاة..نظروا لبعضهم كمن وجد الكنز .ثم انزلوها.

عيون الركاب ترصد و تترقب لقد إمتلأت محاجرها ..اما قلوبهم فقد بلغت الحناجر يكاد بعضهم يسمع ضربات قلب اخيه .

الصمت ساد المكان، ثم ابتعد الاوغاد قليلا ، يجرونها فارجلها لا تقوي علي حملها..حتي صوتها ابتلعته الفجيعة.

نظر الاب إلي عيون الناس كغريق كادت ان تبتلعه شيمة،لكن بصره عاد سريعا حسيرا،

احد الاوغاد يضرب سلاحا، صوت السلاح يعلو فوق الرؤوس.

كانت اللحظات اقسي من الإحتمال .

لحظات لا يستطيع كائن من كان ان يوصفها ولاحتي من ذاقها.. إنها الهول .

نظر الاب يمينا وشمالا وقعت عيناه علي كرسي السائق فوجده خاليا والمفتاح يتدلي.

بين مصدق ومكذب ركب الاب مكان السائق ثم داس علي السرعة في جنون عجيب..

إتجه الرجل بالعربة نحو الأوغاد ثم لحق بهم والمسافة غير بعيدة ثم دخل فيهم بالعربة فارداهم قتلي في كسر من الدقيقة.

ثم نظر فقال ( الله ) رددها معه كل الركاب والصحبة.. غير مصدق أمعن النظر ثانية فوجدها حقا تتوسط القتلي.

ماتت الإبنة ،عاد الاب معه كل الركب الي الحي ولكنه عاد جسدا بلا روح، ومابين الذهول والندم والالم والحسرة والخوف والرجاء دفنت الشهيدة و

قيد البلاغ ضد مجهول .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى