نساء سودانيات .. يصنعن من النزوح إبداع وقصص نجاح
لم تكن (نسرين) ذات الخمسين عاما تريد ان تخرج من منزلها ببحري باولادها الاربعة ساعة اندلاع الحرب .ماكانت راضية ان تترك عشتها بكل حنينها وذكرياتها واركانها التي خبأت فيها مشاكلها وضغوطها وآلامها ومآسيها. منزل بسيط ومبهج انشأته من عرق حبينها ليقيها هي وابنائها حين توفى والدهم وهم مازالوا اطفالا لم يدخل كبيرهم المدرسة .
اسست لهم بيتا ونقلتهم من بيت جدتهم اليه ليكونوا اكثر راحة واطمئنان واستقلال . وعندما انفجرت الاحوال في الخرطوم ماكانت تفكر في الخروج قضت حوالي شهرين وهي تحت القصف والخوف يملأ قلبها على بنتيها وولديها الى ان جاء اليوم الذي دخل فيه الجنجويد الى منزلها وطردت منه .فقالوا لها ان لم تخرجي سنقتلك وابناءك لانك احتمال تكوني من استخبارات الجيش.
.فبدأت رحلة النزوح من بحري الى شندي الى الدامر ثم مروي و دنقلا واستقرت أخيرا في القاهرة. (نسرين) قالت ل(زحل نيوز) وصلت القاهرة ولم يكن عندي أي مصدر دخل كل ماعندي استأجرت به شقة فاضية افترشنا انا وابنائي الارض لشهور ثم فكرت بباقي قروشي ان اعمل أي تجارة عملت الطعمية والكسرة كنت اجلس بها في الشارع لساعات طويلة .
نجحت في اني اكون علاقات وزبائن كثر الى ان كبرت تجارتي واستأجرت دكان اصبحت اعمل فيه كل الاكلات السودانية الشعبية .إضافة الى العصائر البلدية الكركدي والتبلدي والعرديب .بعد ذلك دخلت ابنائي المدارس وحولت سكنهم الى شقة افضل الان نعيش في أمان الله .
واضافت نسرين: ادعو كل النساء اللائي لا يمتلكن مصدر رزق ان يمتهن أي مهنةشريفة بدلا من التسول و الجلوس في الطرقات يستجدين الناس وانا قصصت حكايتي لتتعلم منها النساء اللائي يعشن دون ان يفكرن في مشاريع تكفيهن شر (الشحدة)
الصبية (ر) رفضت كتابة اسمها كاملا تتقن المكياج، كان حلمها أن تصبح (ارتست) كبيرة لكن مصيرها قادها إلى النزوح خارج بلدها .لم يكن امامها الا ان تخرج الموهبة التي بداخلها لتساعد بها اهلها في امور المعيشة والسكن فاصبحت تروج بنفسها بانها نتقن رسم الحناء وبارعة في عمل (المكياج والتسريحات العالمية) .قالت ل(زحل نيوز) كنت اجلس في الشارع وارسم الحناء للصغيرات والبنات غير المتزوجات على ايديهن .
واذهب اذا طلبتني احداهن الى بيتها لعمل (ميكاب) او (تسريحة) وظللت هكذا الى شعرت بأن دخلي زاد و يمكنني فتح محل صغير استقبل في زبوناتي وقد كان .وتابعت الصبية التي لم تتخطى ال(18) من عمرها الان محلي اصبح خلال شهرين من (الكوافيرات) المشهورة في منطقة فيصل بالقاهرة حيث يزدحم بالزبونات من كل الاعمار لدرجة اني اضطررت لتأجير شقة كاملة لتسع الزيائن والله الحمد والمنة.
تقول (حسنة):كانت مغادرتي السودان ضرورة حتمية بسبب الحرب والخوف، ولعجزي عن إيجاد فرصة عمل في بلد دُمّر فيه كل شيء جميل، وحُطّم مستقبلنا كمهندسين واطباء وفنانين ومبدعين وطلاب ورجال اعمال وغيرهم ، ولم نعد نرى سوى الموت والدمار“، تقول حسنة:صوتي جميل وكنت امارس الغناء فقط في مناسبات الأسرة والجيران والصديقات ثم تركت ذلك تماما نسبة لدخولي الجامعة ودرست الهندسة المدنية وعملت في احدى الشركات بمدينةود مدني مسقط راسي ونسيت الغناء وكنت اعتذر لكل من طلب مني ذلك.
الى ان احتل المتمردين المدينة وخرجنا منها في رحلة نزوح قاسية جدا .وصلنا القاهرة ولم نملك الا القليل من الاموال .ظللت افكر ماذا افعل وانا لا معرفة لي بالتجارة الى ان جاء يوم زواج بنت جارتنا التي تعرفنا إليها اول نزولنا الى القاهرة ولما كانوا يفكروا في الفنان اخبرتهم على طول انني أغني في الحفلات احسن مايكون.
ماكان عندي طريق آخر غير اخراج موهبتي الفنية فغنيت في حفل الزفاف وكان نقطة انطلاق فاصبحت من مناسبة لاخرى وبأجر عالي جدا اشتريت شقة تمليك لاسرتي بالاقساط .وامتلكت الات موسيقية خاصة بي كونت فرقة موسيقية بسيطة والحمدلله نجحنا في إقامة الحفلات وافتتحنا لنا مكتب صغير لارتباطات الحفلات
مقابل تلك النجاحات الجميلة في مناطق النزوح هناك نساء تائهات، يلجأن إلى قراءة الكف لمعرفة المستقبل، لايفكرن ولا يدبرن يتجولن باطفالهن من منطقة لاخرى .يتسولن في الشوارع والمساجد و الاسواق .في حين انهن يستطعن إقامة مشاريع صغيرة تكفيهن كل هذه الشرور الا انهن لا يردن ذلك .و تتكرر قصص النازحات اللواتي فقدن أزواجهن، أخوتهن وآباءهن وكل اهل بيتهن هناك من صبرت وتجاوزت .وأخريات عشن على تذكر الآلام والمعاناة فلم يكتبن اسمائهن في دفتر النجاح والابداع
حكايات نساء النزوح الناجحة من الخرطوم الى القاهرة حكايات كتبنها بانفسهن ويروينها بفخر واعزاز .حيث كانت وما زالت المرأة السودانية الأكثر تضررا من الحروب، وقد تضاعف هذا العناء منذ اندلاع حرب ابريل من العام الماضي ؛ إذ تحمّلت المرأة تبعات الحرب التي دخلت عامها الثاني، وكانت وقودًا لها، فما يقارب من 30٪ من ضحايا الحرب هم من النساء والأطفال، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.
ورغم كل التحديات أمام المرأة السودانية ، أثبتت حفيدات مهيرة بت عبود قدراتهن على تحمل المسؤولية، ومواجهة أعباء الحياة، ومحاولة إرساء قيم السلام، وشقِّ طرق للنجاح. وقد مثّلت المرأة السودانية .
غض النظر عن الشواذ منهن اللائي لايتعدين ال(5) في المئة من نساء السودان اللاتي كن أنموذجًا مشرّفا في الإبداع ورسم الصورة الإيجابية على مستوى التميّز والوعي، وتغلّبن على مرارة النزوح، وفي ظلّ غياب دور الدولة في متابعة أوضاعهن ومعالجة مشاكله، بحثت المرأة السودانية عن بدائل وحلول تمكّنها من القدرة على إعالة نفسها وأهلها، والتغلب على ظروف المعيشة القاسية.