هناك فرق، منى أبوزيد: الخروج عن السيطرة.
هناك فرق، منى أبوزيد: الخروج عن السيطرة | “الناس في السَّكينة سواء، فإن جاءت المِحن تبَاينوا” .. ابن خلدون!
كُلَّما تعثَّرتُ برأسٍ يلفها كدمول على مواقع التواصل الاجتماعي – أو تمَعَّنتُ في ذلك الهراء المُرسل عبر تلك المقاطع التي يبثها قتلة ولصوص المليشيا – تُسيطر على ذاكرتي صورة ذلك المخلوق البشع في أشهر روايات الخيال العلمي “إله النار الجديد”، للكاتبة الإنجليزية “ماري شيلي” ..!
في تلك الراوية يقوم العالم الشاب “فرانكنشتاين” – الذي نجح في تطوير تقنية سرية لنقل الحياة إلى مادة جامدة – بتكوين مخلوق ضخم شرير يخرج عن سيطرته، فيقتل شقيقه، ويقتل صديقه، ثم يحاول قتله هو أيضاً بعد أن يرفض طلبه “استخدام ذات المادة في تكوين رفيقةً أنثى من ذات جنسه” ..!
وجوه جديرة بالتأمل من عدة
وجوه، أولها تلك الجريمة التي تنطوي عليها محاولة استحداث كلا الكيانين الشريرين من بعض العدم، ثم تلك الأخطاء القاتلة التي صاحبت عملية التكوين نفسها، وتلك الكوارث المترتبة على خروج كلٍ منهما عن سيطرة صاحبه، بالانقلاب عليه ومعاداته، ومحاولة التخلص منه لجملة أسباب زائفة. فضلاً عن تعدد وتضارب رواية كل طرف لحيثيات ذات الحدث الجلل، في الخيال والحقيقة..!
لكن الذي يعنينا في هذا المقال ليس العالم الشاب الذي قاده طموحه المهني إلى كارثة بيولوجية، وليست حكومة الإنقاذ التي قادها طموحها السلطوي إلى كارثة وطنية، بل ظاهرة الخروج عن السيطرة التي لازمت كلا التجربتين وأثرت في بعض الأحداث والمصائر من جهة، ومآلاتها التي تنزلت على رؤوس الأبرياء العُزَّل في كلا الحالين، من جهةٍ أخرى ..!
لقد تفاقمت أهوال هذه الحرب “جرائم وانتهاكات راح ضحيتها ملايين المدنيين الأبرياء العُزَّل”، من القتل والنهب والاغتصاب إلى التشريد نزوحاً ولجوءاً، وخرجت قوات الدعم السريع عن السيطرة تماماً، وتحولت إلى عصابات باطشة متمردة حتى على قياداتها، لا تلوي على شي ..!
وتفاقمت ورطات قيادات المليشيا نفسها في هذه الحرب وتضاعفت خيبات حاضنتها
السياسية حتى صار اتساع رقاع الانشقاقات وتصاعد وتيرة الخلافات داخل محاور الشر تلك، وفيما بينها، حدثاً عادياً لا يستوجب الإنكار، وخبراً عادياً على قارعة الصفحات والمواقع لا يستحق الوقوف عنده ..!
عشرات القيادات أعلنت استقالاتها الجماعية عن فصيل سليمان صندل – المنشق عن حركة العدل والمساواة والموالي لمليشيا الدعم السريع – في بيان رسمي، تواثقت عبره على العمل من أجل تغليب مصلحة الشعب وتسخير مختلف
الطاقات لتحقيق ذلك “يعني الانقلاب على مبدأ التمرد والعودة إلى الموقف الأصل” بعد تفاقم الفظائع التي وصلت إلى اللحم الحي “مساقط رؤوسهم” ..!
خلافات عديدة عصفت بأروقة الأحزاب المنضوية تحت لواء تنسيقية تقدم، وأدت إلى نشوب انشقاقات مجاورة داخل الحاضنة السياسية للمليشيا بعد أن وصلت مآلات خروج قواتها عن السيطرة إلى مناطق أسر وعوائل وأقرباء الكثير من أعضاء تقدم أنفسهم، فضلاً عن مواجهة احتقار وازدراء
الشعب السوداني بأكمله لمواقفهم المخزية..!
كل هؤلاء وأولئك – من قيادات المليشيا إلى أعوانها العسكرين وحلفائها السياسيين – أخطأوا في “تضريب حساباتهم” بوازع من أطماعهم السلطوية،
فتنكبوا الطريق، وأجرموا في حق أنفسهم وفي حق بلادهم، ثم هاهم يواجهون اليوم مآلات ومصائر خروج الأمر في هذه الحرب – برُمَّتِه – عن السيطرة!.