. “آخر العناوين البريئة في بلادنا كانت قبل اختراع الصحافة” .. محمد حسن علوان ..!
“طعمجة بأدب” عنوان مبتذل اختاره شاب يدعى ساجد – وهو أحد أبواق الدعم السريع على منصة “التيك توك” – لتسمية حواره مع سيدة تسمي نفسها أم الأشاوس، وتدعي أن حميدتي هو من خلع عليها هذا اللقب..!
وجه الشبه الأكيد بين المضيف الذي يبدو عليه أنه ينتمي إلى وسط أو شمال السودان وضيفته التي تنتمي إلى غرب السودان هو الكذب وتحري الكذب – بإصرار غريب واطمئنان محير ودون أن يطرف لأحدهما جفن – حتى يكتب عند الله كذاباً..!
من بين الأكاذيب المضحكة التي أطلقتها أم الأشاوس تلك أن جنود الدعم السريع يعطفون على النساء وكبار السن وينفحون من يقابلونه منهم خمسين ألف جنيه – بالقديم! – من أجل نفقات الطريق وركوب المواصلات والذي منه، لضمان وصولهم إلى وجهتهم على نحو مريح وآمن..!
هذا الفجور في صناعة وتجارة الأكاذيب عبر وسائل الإعلام ذكرني بالفيلم الأمريكي الساخر “ذيل الكلب” المأخوذ من رواية “بطل أمريكي” للكاتب “لاري بينهارت”، والذي نجح في إبراز مثل هذا المعنى.
من خلال أحداثه التي تدور حول اشتراك منتج هوليوودي وبعض القائمين على حملة الرئيس الأمريكي في افتعال إعلامي لأحداث حرب كاملة في ألبانيا، وإظهار سجين مختل عقلياً كشهيد وبطل قومي، للتغطية على أخبار فضيحة أخلاقية لرئيس البلاد قبل أربعة عشر يوماً من الانتخابات الأمريكية ..!
في رسالة ذلك الفيلم حكمة تقول إن الإعلام سلاح خطير على عدوك إذا أحسنت استغلاله وخطير في القضاء عليك إذا أسأت استخدامه. لذا لا مجال أبداً للنزق والعشوائية واللعب على أوتار الصدفة في تقديم الصورة الإعلامية. فأقل خطأ أو قصور يعني – ببساطة – أن ينصرف المتلقي عنك بقرار حاسم “ضغطة زر” مع العزم الأكيد على ألا يعود..!
منشأ خطورة الإعلام – أيضاً – هو أنّ النجاح فيه يتوقف على “الإقناع” وليس “المصداقية”. فالكذب “المَجيَّه” المُنمق والمدجج بالحجج والبراهين ـ وإن كانت باطلة ـ أحب إلى المشاهد والقارئ والمستمع من الصدق “المجهجه” المتعثّر بضعف الحجة ..!
الجماهير على رأي “ألفريد هيتشكوك” – المخرج السينمائي الشهير – “وحوش” تتعاطف مع الصورة الفنية القوية وتسخر من الضعيفة حتى وإن توقفت قليلاً أمام صدقها. والجماهير بحسب “كريستيان ديور” – أشهر رواد الموضة – هم “الجلادون الأعزاء” الذين يحيا صاحب البضاعة الإعلامية بهم، وقد يموت بردود أفعالهم ..!
مواقع التواصل الاجتماعي اليوم هي ساحات للحروب الإعلامية بين الدول من جهة، وهي – أيضاً – ساحات الصراعات السياسية والثقافية والاجتماعية بين شعوب وطوائف أي حرب أهليه، من جهة أخرى. وقد تفوز هذه أو تخسر تلك بمعارك الإقناع التي باتت أشرس حروب هذا العصر ..!
وقد أثبتت مليشيا الدعم السريع خلال هذه الحرب أن أسلحة الحرب الإعلامية لا تقل أهمية عن الدانات والمسيرات وطلقات الرصاص. لكنهم كعادة المغفلين في القصص الخرافية أكثروا من تكرار بعض التفاصيل وبالغوا في التمويه والتغطية والتلفيق، حتى تركوا عند المواطن انطباعاً مخالفاً للمطلوب..!
المبالغة في محاولة إقناع الآخر تتسبب في ما يسمى في علم النفس بالإيحاء العكسي. وهذا هو بالضبط ما فعلته المشاهد والأخبار الأخيرة التي وثقت لظهور حميدتي وسط جنود الدعم السريع..!
القاصي والداني بات يعرف أن حميدتي بعيد كل البعد عن المشهد منذ فترة، وكل الذي فعلته تلك المشاهد القديمة – التي تم نشرها بتاريخ حديث – هو تأكيد أن حميدتي قد رحل بلا عودة!.