لن يموت الحراز متكئاً ..كما السودان يظل شامخا!

لن يموت الحراز متكئاً !
شجرة الحراز ،تلك الشجرة الصامدة المعتدة بنفسها..شجرة ليست كالأشجار .. فهي موسمية مزاجية مثمرة ..
حكت لنا حوبوباتنا و أمهاتنا في الأثر قصة صمودها و اعتدادها و مزاجها و قلن أنها كانت بينها و بين (المطر) خصومة حتى وصلت درجة الفجور و اللاعودة للصلح فقررت المطرة أن تحبس ماءها عنها و جزمت هي ألا تشرب من ماء المطرة فبقيتا على الحال إلى اليوم .
فشجرة الحراز تراها في عز الخريف عبارة عن عيدان يابسة لا أحد يعيرها انتباه مع زينة الأرض بالخضرة و جريان الأنهار من تحتها كما هي الأخرى تترفع عن هذه الخضرة و تتزين بنفض أوراقها و يتجلى جمالها في لون فروعها الفضية التي ترفعت حتى عن النظر للمياه التي تجري من تحتها و تعكس لونها الفضي على الماء فيزيده لمعاناً كأنها تريد أن تقول للمطرة خذي و اكملي زينتك مني!.
و رغم كل ذلك لا يخضر منها فرع في فصل الخريف بينما تزدان و تلقي بظلالها على الأرض في فصل الصيف .
ترى كل الأشجار حولها في الصيف يابسة إلا هي تكتسي بالخضرة و تتزين بالنوَّر الحلزوني بلونه الأبيض المائل إلى صفار و تؤتي أكلها بعد حين من ثمار ( الخروم ) خاطف اللونين ( الأحمر و الأصفر ) و يتساقط إلى الأرض متخلقاً ك( عاج الفيل ) في شكله لتعلفه الأغنام و الأبقار و الجمال .
شجرة الحراز من الأشجار المعمرة جداً و لدي منها ما يربو عن الأربع شجرات في زراعتي أحداها وجدتها منذ أن فتحت عيناي على الرعي و الزراعة و هي الشجرة الوحيدة بجانب شجرة الدوم و النخيل لا تؤثر على الزرع و من فوائدها أنها تستخدم سيقانها معاصر للزيوت البلدية ( السمسم ) .
و من الطُرَف يحكى أنها استخدمت وثيقة لفصل الحدود بين قبيلة دار حامد و الجوامعة غرب بارا بنحت (وَسْمَيْ) القبيلتين كل من اتجاه و لم يأت هذ الاستخدام إلا لعلم الناس في ذلك الوقت بأنها تعيش سنين طويلة . لكن ليس هناك طائل أمام تقلبات الطبيعة و تدخل يد الإنسان .
من ميزات هذه الشجرة أنها لا تموت متكئة على الأرض بل تجف وهي واقفة ، و لا تسقط على الأرض إلا بسبب قطع أو حرق !!
إذن يمكن تصنيف هذه الشجرة رمزاً للعز و الشموخ و الصمود بقوة أمام التيارات الجارفة و الضربات الناسفة كما السودان اليوم أمام القوة الاماراتية و الاقليمية و المؤامرات الدولية ، و كما فاشر السلطان و الأُبيِّض ريحانة كردفان .
بعد أن فشلت أيادي الغدر و الخيانة من مرتزقة الإمارات ، و ناسجي المؤامرات ، و ربائب السفارات في تنفيذ مخططهم للسيطرة على السودان و تكبدهم للخسائر ، و لقوا حتفهم في أم درمان ، زحفوا غرباً تائهين في بوادي كردفان شمالها و شرقها و غربها و جنوبها ، يعوثون فساداً في الحواضر و القرى و المدن و الفرقان .
ها هم بعد أن يئسوا من الوصول إلى قلب كردفان عاصمتها الأبيِّض حيث الأمن و الأمان ، لجأوا لبث أحقادهم بالتخريب ، و نفث سمومهم بمسيراتهم و قاذفاتهم ليطالوا من الأبيض أعياناً و سكاناً بعد أن حاصروها من بارا شمالاً و النهود و الخوي غرباً و الحمادي و الدبيبات جنوباً و بعد أن لقنهم متحرك الصياد في أم روابة و الرهد درساً لن ينسوه أبداً .
لجأوا لحيلة المسيرات لعلهم بذلك يدخلون الرعب في أهل الأبيض ليهجروها و يتركوها لهم لقمة سائغة . و لكن هيهات مع وجود حارسها الهجانة أم ريش ساس الجيش ، و هيهات مع متحركها الصياد صانع الأمجاد ، و هيهات مع صمود شجر الحراز حول فولة فلاتة و آبار كرياكو و (التُمْنَة) الغربية .
و هيهات مع مواطني هذه المدينة الأبية التي ناصرت المهدي على جراب الفول و انطلق منها تحرير الخرطوم من قبضة غردون .
و يا أيها الأوغاد سيروا مسيراتكم و ارموا قاذفاتكم و اقعدوا مقاعدكم في بارا و النهود و غيرها من مدن كردفان و دارفور حتى حين ، و سترون أي منقلبٍ تنقلبون .
و مهما سيرتم و قذفتم و رميتم من مرفق حيوي و قتلتم بريئاً فلن يموت الحراز متكئاً .
رحم الله الشاعر محمود درويش القائل …
فالوحش يقتل ثائراً و الأرض تنبت ألف ثائر
يا كبرياء الجرح لو متنا لحاربت المقابر
فملاحم الدم في ترابك ما لها فينا آخر
حتى يعود القمح للمزارع يرقص في البيادر
و يغرد العصفور حين يشاء في غرس الأزاهر
و الشمس تشرق كل يوم في مواعيد البواكر
الغالي الزين حمدون
٢٠٢٥/٦/٨م