قصص زواج على زخات الرصاص وأصوات الدانات
على الرغم من الحرب واصوات الرصاص . وانفجار الدانات . وصور الدمار التي تحيط بالعاصمة المثلثة امتدادا الى ولاية الجزيرة وولايات دارفور وكردفان ، والالم و الموت هما مشاهد تتكرر على مدار الساعة .الا ان ذلك لم يمنع ان تكون هناك مساحة للحب والفرح باقامة حفلات الزواج المختصرة جدا نسبة لظروف البلد ..ومنذ اشتعال الحرب في ايامها الاولى شاهدت مدن الولايات التي احتضنت اعدادا كبيرة من النازحين إليها من ولاية الخرطوم .
زيجات عديدة حتى من داخل دور الايواء . فهذه الزيجات التي اقيمت تعتبر بالنسبة للعروسين فرصة لإدخال البهجة إلى قلوب سكان اهاليهم كما انها في هذا التوقيت ماهي الا رسالة سلام إلى العالم وكأنه خطاب سياسي ينادي بالتحدي والصمود وإثبات الوجود ..
وبالرغم من كل الفظائع التي ارتكبت في الخرطوم ومدني وولايات دارفور، لا يزال هناك مساحة للحب (الحب في زمن الحرب) وبذلك هم أي العروسين يصنعون السلام حتى تستمر الحياة رغم الصراع باقامة حفلات الزواج ولكن بشكل مختلف.
لا يختلف إثنان في أن الحرب المشتعلة في العاصمة الخرطوم وبعض الولايات سيؤثر بصورة كبيرة جدا على الحياة الاجتماعية فهناك من يقوم بتأجيل عقد قرآنه انتظارا لاوقات السلم وان طال أمد الحرب .
وفي المقابل هناك من شرع في إقامة مناسبة زواجه بشروط وطقوس مختلفة وبدون تكاليف عالية معتقدين ان سنة الزواج هي واحدة من الاشياء التي لايمكن ان تؤجل بسبب الحرب فيقيمون زيجاتهم وسط حالة قاتمة ودمار فظيع فينجحون في تغيير الأجواء الى مبهجة داخل هذا المشهد المؤلم من قصف واختطاف وسرقة واغتصاب يقام الفرح وتنتشر المسرة وسط دائرة الحزن.
مواطنين نازحين باحدى الولايات القريبة من ولاية الخرطوم يرون أن إقامة ،(الأعراس) يعتبر مشهد متناقض مع الحالة التي يعيشها الشعب ولكن بعضهم يرجعون ويقولون فإذا كان الله منحنا الحياة فهو لا يمكن أن يسلبها بالموت..
فلا يمكن أن يكون الموت سلباً للحياة..فهذه هي الدنيا يحتفي فيها الناس بالولادة وهم يودعون موتاهم فتتكون أسر جديدة تصنع قصصها وتحكي للاجيال حكايات الماضي.
نعم رغم المعاناة بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الايجارات في مناطق النزوح الا أنه يوميا نسمع بأن هناك مناسبة زواج في مكان ما حيث لم تختفي مشاهد الأعراس هنا وهناك الا انها خالية تماما من جميع المظاهر والتقاليد المعروفة في الزواج وهذه نفسها ربما رسالة إلى العالم بأن السودان قوي باهله رغم الحرب والنزوح والمعاناة التي تتكاثر يوما بعد يوم.
الباحثة في علم الاجتماع دولت حسن قالت ان إقامة الزيجات قد تكون رغبة نفسية في الشعور بأن الحياة مستمرة، أو وسيلة من وسائل المقاومة ومحاولات للإفلات من ضغوط هذا الوضع، لكن المؤكد أنه تصرف لا يفرق بين ثقافة وأخرى،
إذ شهدت أغلب مناطق الصراع في العالم وفي عز اشتعال الجبهات سلوكاً متشابهاً زفاف هنا وهناك. وربما مخطوبة وخطيبها اصابهم القلق من أن تستمر الحرب طويلاً ويخسران مزيداً من سنواتهما معاً فيقررا الزواج في هذه الظروف الحرجة.
وقالت اغلب هذه الزيجات تغيب فيها كل تفاصيل الزواج السودانية وابرزها زي العروسين يرتديان ملابس عادية جدا غير التي يرتديها للعروسين في الحالات العادية، واضافت دولت كل من قرر الزواج دون تردد رغم المآسي تلك شجاعة نادرة تستدعي التحية والتقدير.
، بالرغم من ان هناك من ينظر الى الذين يقيمون الافراح في زمن الحرب الى انهم غير مبالين بالحاصل وانهم انفصلوا عن الواقع المرير والا انهم ما كانوا تصرفوا كهذا فيقيمون افراحهم دون ان يكترثوا لاحزان غيرهم بفقد احبابهم في هذه الحرب المشتعلة الان
الزواج في زمن الحروب ماهو الا تعبير عن الأمل في الغد ولا يمثل تصرفاً عبثياً كما يعتقد البعض بل هو تعبير عن المقاومة واستمرارية الحياة وان تنوعت قصص عرسان النزوح الذين فروا من مناطق القتال الى مناطق آمنة وتزوجوا بأقل الإمكانيات وبالاستغناء عن كثير من المقومات.
واحتفلوا في ظروف غير ملائمة في أغلب الأوقات لكن القيمة الوجدانية والاجتماعية لهذا السلوك باقامة افراح في زمن الحرب هي المطلوبة وكذلك القيمة في رمزية الاحتفال بالزفاف حتى لو خيمت عليه مظاهر الحزن فالرسالة هنا هي ان (الحياة مستمرة).