تفضلوا معنا (السماية عشاء) ، هذه الدعوة المكونة من اربع كلمات جافة و التي يتلقاها المدعو عبر جهاز (الهاتف) أحيانا صارت موضة هذه الأيام في مجتمعنا بكل طبقاته … حيث اصبحت الدعوة لتسمية (المولود) تقام ليلا، كأن اهل الدعوة يريدون بذلك أن لا يأتيهم أحد لتلبية الدعوة والمشاركة في التسمية والدعوات له بأن (يشيل اسمو) وهذا اول ما يتبادر الى ذهن (المدعو) عندما تقدم له (الدعوة)..
و(السماية) في المجتمع السوداني كانت لها نكهة خاصة ويحرص (المدعوون) على حضورها اكثر من المناسبات الاخرى.. وكانت لها طقوس تختلف من قبيلة لأخرى اختفت شيئا فشيئا بعد اتساع رقعة المدن وتوسعها ، وهجرة مواطني الارياف الى المدن .. وتجتهد الأسر في تثبيت دعوة (السماية) على اهل (المولود) من الجانبين دون الفروع الاخرى (الخالات والعمات والاعمام) وابنائهم كإختصار من شأنه ان لا يترك للوم اللائمين مكان.. ولعل هذه الاجراءات التي صارت تتبع في أمر (السماية) لها اسبابها ومبرراتها.
عدد من الأسر السودانية بررت معظمها عدم الدعوة لـ(السماية) أو قيامها ليلا بالحالة الاقتصادية الصعبة والارتفاع الجنوني في اسعار المواد التموينية والخضر والفواكه، و(سعاد) واحدة من اللائي أقامت (عقيقة) ابنها عشاء.. فهي ترى انها (دعت) اهلها في (سماية) إبنتها الاولى (غداء) واقامت لهم (وليمة) محترمة وهذا يكفي.. وبررت دعوة العشاء بأنها تختصر الحضور في معدد قليل من (المدعوين) مما يمكن اهل (الدعوة) من اكرامهم بـ(مهلة) حسب وصفها..
(سعاد) قالت: زوجها هو من طرح الفكرة لأنه يعرف إمكانياته ولا يستطيع الغاء (السماية) وهو يرى ان ذلك عيب في حقه أمام الأهل، وقالت:قمنا بدعوة الاهل في نفس اليوم ظهرا ، وطلعنا من (اللوم) وهناك من حضر وآخرون لم يستطيعوا المجئ، ولكن فئة أخرى لم تتقبل (الدعوة) بحجة أنها (عيزومة) مراكبية وغير جادة.
أما (ليلى) ربة المنزل فقالت: السودانيون بطبعهم يحبون المجاملة، فإذا دعوتهم (فطور) فلا محالة سيكون هناك (مبيت) واذا دعوتهم (غداء) سيأتون منذ الصباح، فتبقى على اهل الدعوة أكثر من وجبتين في هذه الظروف الحرجة والحرب التي تمر بها بلادنا.
، لذلك فكرة دعوة (العشاء) جيدة وتحصر حضور(المدعوين) في العصر أو بعد (المغرب).. وقالت: هذا ليس (بخلا) كما يعتقد الكثيرون، ولكن اقتصادا لـ(مصروفاتنا) وإننا ننظر الى ما بعد (السماية) لأننا لو اتبعنا (البذخ) سنتفرج على بعضنا بعد ذلك وسنكون صرفنا كل ما عندنا بسبب (مقيل) المدعوين اذا كانت مثلا الدعوة (غداء) مع الشاي والقهوة والعصير ووجبات تتخلل ذلك.
ورجع (احمد) الموظف في احدى المؤسسات المصرفية بذاكرته الى الوراء، وقال: زمان كان (الزمن) زين والحياة فيها رخاء، و المدعوون لـ(السماية) يأتون قبل يوم او يومين، ويظل والد (المولود) يصرف ويصرف ولا يشعر بذلك لأن الاشياء كلها كانت (رخيصة) ولا تكلف اموالا طائلة كما هو الحال في هذا الزمن!!،
كما كانت هناك مساهمات من الأهل معدومة الآن، فالكل يتفرج عليك ماذا تفعل؟؟ ، وقال:انا من انصار الذين يوزعون (العقيقة) بـ(الكوم) دون اقامة (وليمة) في البيت يصرفون فيها كل ما عندهم، واضاف: ايضا اقامتها ليلا فيه نوع من توفير المال والجهد لأن (المدعوين) سيكون عددهم قليلا ولا يكلفون اهل (المولود) كثيرا.
ولكن الباحثة الاجتماعية دولت حسن قالت: دعوة (السماية) عشاء هي فكرة الطبقات (البرجوازية)، وهم أتوا بها من المجتمعات الاخرى كالعربية مثلا ، إذ أنهم يعتبرون ذلك نوعا من التحضر والرقي، واضافت:الا ان بعض المواطنين استغلوا ذلك لزوم (الاقتصاد) في الصرف لان عددا من (المدعوين) ليلا يخشون من تأخر الزمن وانعدام (المواصلات)،
وصاروا يقيمون (العقيقة) عشاء،،وقالت:على كل المجتمع السوداني تغيرت عاداته وتقاليده في كل شئ ليس في (السماية) وذلك حسب الظروف والمتغيرات المجتمعية التي تحكم تعامل الناس ببعضهم وسلوكهم وتصرفاتهم.