ولأن الأفكار السيئة مثل القمل تنتقل من رأس إلى رأس لم أستغرب أن تنتقل أفكار قحت إلى شخصين أو ثلاثة في الصف الوطني، فتنطلي عليهم عبارة (الطرفين) المضللة أو بالأحرى الفهم المغلوط لها، فيرددون أن البيان الختامي مبرأ من كل عيب.
وهو في الحقيقة مجرد ورقة غير متفق عليها لأنها تتحدث عن تحريم دعم الأطراف المتحاربة من جهات خارجية وهذا في نظري تمهيد واضح لحرمان الجيش الوطني النظامي الاحترافي من مصادر التسليح المتنوعة شرقا أو غربا باعتبار أنه (طرف) مثله مثل الدعم السريع.
هؤلاء المدافعين عن البيان (من الصف الوطني) سيأتون غدا ليقولوا يجب على الجيش أن يتقدم ولماذا ينسحب؟ والسؤال يتقدم بماذا بالسلاح أم بالقمل الذي جائكم من قحت؟
دعونا نحرر مصطلح الطرفين جيدا، لنميز بين الاستخدام الصحيح والخاطيء.
في القانون عندما يحدث نزاع بين متبوع وتابع، مثل مالك شركة وموظف عنده، يقال في جلسات المحكمة (طرفي النزاع) لكن هذا لا يعني قسمة الشركة بين الطرفين، ولا يعني تقرير ذات الاجراءات المتشابهة المتطابقة على الطرفين.
أيضا إذا وجد نزاع بين طالب ومدرسة في رسوم دراسية، فإن تسمية طرفين تعتبر قانونية (رغم أنه مجرد طالب) لأن صفة (طرف) طارئة عليهما ومضافة على الصفات الموجودة وليس لالغاء الموجود .. يظل التابع تابعا، والمتبوع متبوعا، يظل الأصل أصلا، والفرع فرعا.
إذا، تسمية (طرفين) لا تغير الحالة الأصلية لكل طرف، ولا تلزم اطلاقا بأن تكون الاجراءات متطابقة إذ لكل طرف اجراء يناسب وضعه القانوني وحجمه والتزاماته.
في السودان، توجد دولة ضمن منظومة دولية وجيش وإلى جانب هذا توجد قوة نظامية كانت تابعة للدولة والجيش وهي تحارب فيه وفي المواطنين وتسفك دمهم وتنهب أموالهم، ولكنها تدعي غير ذلك، ولذلك فالوسيط يسميهم طرفي صراع، وهو وصف طاريء لا يغير الحقيقة الأساسية بوجود جيش ودولة كاملة في جهة، ومليشيا من المحاربين في جهة أخرى.
على سبيل المثال اذا جاءت دولة دائنة للسودان لتتقاضى ديونها هل ستقول حكومة السودان أنا طرف وسأدفع (نص فقط)؟ والنص الثاني للطرف الثاني، أو سأدفع 1% لسبب أنني طرف وهنالك 99 طرفا آخر في السودان حسب إعلامكم .. حركات ومليشيات، غير صحيح طبعا، لأن صفة الدولة الكاملة موجودة عند الحكومة (فقط!) .. وهي صفة لديها أسوار منيعة من الواجبات الوطنية لا يجوز الاخلال بها، أوالاستخفاف بها في صياغة البيانات.
أمريكا تتوسط وتسمينا طرفين ولكن في الالتزامات الحكومية تتعامل مع طرف واحد فقط، لماذا؟ لأن الطرفين صفة طارئة لا تغير الواقع الموجود.
نزاع الدولة مع الدعم السريع هو نزاع متبوع موجود أصلا مع تابع نشأ في 2013 وتمرد في 2023، لقد كانت نشأته خطأ، واستمراره وتوسعه خطأ، وتحالف قحت أو تقدم معه الآن خطأ، فهو طرف سيء ويجب انهائه، وليس ترفيعه بالمفاهيم المغلوطة، والتي لا قيمة لها بدون رشاوي ولا ارتزاق!
ستكون هناك مؤتمرات وجولات، ونقاشات كثيرة في مقبل الأيام، هنالك سذج أو مستدرجين أو مغرضين (النتيجة واحدة في النهاية) ..أحملكم هذه الرسالة لهم:
تسمية (طرفين) طارئة بغرض تسوية النزاع ولكنها لا تلغي الصفات السابقة لها.
هذه دولة ولديها جيش والتزامات تجاه شعبها، ومن ضمنها الحماية والدفاع ولذلك يجب عليها الاستمرار في التسليح، وتلك مليشيا محاربة للدولة ومرتكبة للابادة الجماعية بالتقارير الدولية، وهنالك دول ترغب في تسليحها لتحقيق أطماعها في قتل السودانيين وفرض نظام سياسي عليهم، وهنالك سذج يؤيدون قحت في الحديث عن إيقاف الدعم من الأطراف المتحاربة كما جاء في البيان غير المتفق عليه.
عندما تضع الحدود السليمة لتسمية طرفين ستتضح لك الصورة، وتشاهد الخطل والخبال أو الخبث والمكر الذي يمارسه الوسطاء .. أو ما يسمى باللجان المحايدة .. ومن يستخفونهم ويلعبون بهم في صياغة البيانات أو الجعجعة في تأييدها.
باختصار .. أي مدخل تفاوضي أي أجندة حوار أي بيان أي توصيات .. قامت على تصور خاطيء لمفهوم الطرفين، لا يجوز نقاشها قبل تصحيح المفهوم الخاطيء.
الخطورة هاهنا .. من يتبنى المفهوم الخاطيء ثم يتعامل معه ممثل من الجيش أو الدولة باحترام وثقة .. هذا يعني أن هناك مشكلة في الدولة ذاتها.
الحمد لله أن مؤتمر القاهرة عدى على خير، والسبب أن الدولة المضيفة لم تفرض رؤيتها على أي طرف وتركت السودانيين يتناقشون ويبحثون عن موقف مشترك وبيان موحد، وفي تقديري هذه النقطة بالذات هي ما عطلت البيان.
مؤتمر القاهرة يوليو 2024 ناجح .. لأنه (زيرو تدخل) وظهرت الافكار الحقيقية والأوزان الحقيقية .. تحت سقف واحد.
قد تستغربون ولكن رأيي هو تأجيل أو تعطيل مؤتمر أديس، وأعادة جولة ثنائية محدودة العدد في القاهرة بين تقدم و ميثاق السودان.