جدول المحتويات
تتبعهن نظرات الشك، الأرامل.. الحرب زادت (الطين بلة)
تتبعهن نظرات الشك، الأرامل.. الحرب زادت (الطين بلة)، تبدأ معاناة النساء السودانيات خصوصا الأرامل منهن من نظرة المجتمع التي لا ترحم ، لتنتهي بمواجهة مشاق الحياة المعيشية الصعبة وحدهن، خاصة إذا لم يكن لديهن معيل أو مصدر رزق يؤمن احتياجاتهن اليومية وتربية أبنائهن، حيث إتخذت بعض النساء الأرامل في ظل تلك الظروف الصعبة وتأثيرات الحرب التي طالت كل ڜئ اتخذن قرارات غير مألوفة في مجتمعنا سابقاً، .
كالزواج من رجل متزوج ولديه اطفال ومسئوليات ليحمل عنها عبء التكاليف المعيشية، أو الزواج من رجل مسن ربما يصبح عالة عليها . أو كاضطرار بعضهن العمل بمهن شاقة ومتعبة، ومنهن من اضطررن أيضاً للعمل في تنظيف المنازل سواء ان كان في بلد النزوح او دول اللجوء . واضطرت الظروف بعضهن الى التسول في الشوارع والمساجد والمستشفيات
أزمة مفاهيم
ستة عشر شهرا من الحرب في السودان كافية جدا لتلقي بظلالها على فئة الأرامل اللائي وجدن أنفسهن وحيدات عندما اندلعت الحرب . لم يسأل عن بعضهن حتى الاهل ليبدأن مسيرة طويلة من المحن و العذاب سببها فقدان الزوج والسند واستغلال آخر ونظرة شك وريبة من المجتمعات بفئاته المختلفة تتبع الأرامل.
اذا ان أزمة المفاهيم والمصطلحات تلقي بظلالها على أفراد المجتمع وما بين متفهم ومستغل تترنح الارامل بين أنياب المجتمعات المفترسة التي وصلت إليها هذه الحالات بسبب النزوح الى الولايات ودولة الجوار .خصوصا الأرامل الشابات اللائي يعانين من الرجال زوي الامراض النفسية الذين يستغلوهن بسبب ظروفهن .
حزن ودموع
الارملة (,رندا) في نهاية الثلاثينات من عمرها توفي زوجها قبيل أربعة سنوات وترك لها ثلاثة ابناء هو المعيل الوحيد لها ولأولادها.. هي لم تكمل تحصيلها الدراسي، فقد توقفت عند الصف الاول ثانوي فتزوجت قبل أن تمتحن للشهادة السودانية ، إضافة إلى أنها لا تجيد أية مهنة، وقد كانت حتى وفاة زوجها مكرسة حياتها للاهتمام بزوجها وبأطفالها داخل المنزل، .
وعلى رغم مساعيها للعمل بعد ذلك إلا أنها لم تجد عملاً مناسباً. وهي تعيش الان في احدى الولايات ولم تتواجد بها فرص عمل أيا كانت لتؤمن لقمة العيش لأطفالها، كما قالت في حديثها. واضافت: مصاريف الحياة ترهقني جداً،.
وأغلب الرجال لا يقدرون على تحمل مصاريف أسرهم في هذه الأوضاع فما بالك بالنساء؟ أنا الآن أعيش على المبالغ التي ترسل لي شهرياً من أقاربي في السعودية فقط حيث انها لا تكفي طول الشهر . واضافة الى كل ذلك اعاني من نظرة المجتمع للارملة ومن الضوابط الاجتماعية المفروضة عليها وغيرها من قبل الأهل والمجتمع.
قسوة مجتمع:
تحت قسوة ومتاعب الحياة تحملت معظم الأرامل مسئولياتهن لوحدهن . وصبرن على الحديث عنهن بالباطل، حيث اخذت الواحدة منهن على عاتقها دور المُعيل “الزوج” ودور الأم في آن واحد، فعندما كان زوجها يقوم بكل الأمور المنزلية أصبحت هي من تقوم بتدابير المنزلية،.
تضطر للسعي لتأمين مستلزمات المنزل، بل إن هناك أموراً صعبة جداً عليها لتأمينها، فيما كان يقوم ازواجهن المتوفين بكل هذه الأمور سابقا. فوجدن ما وجدن من الألم والشائعات التي تدور حولهن . خصوصا اللاتي يسكن في منازل منفردات باطفالهن بعيدا عن بيت الأسرة.
شائعات مسمومة
لم يرحم المجتمع النساء الأرامل ، إذ يجلُب لهن الشائعات والكلمات المسمومة وبعض التحرشات التي قد تنال من سمعتها وشرفها وكرامتها، لن يدعوهن يستمررن بمداواة جراحهن بعد كسر قلوبهن بفقدان أزواجهن. بحيث بوصفوهن قهراً لما يعانينه
يتعرضن بعض النساء “المطلقات والارامل” اللواتي ليس لهن من يحميهن “للاستغلال الجنسي” بسبب الفقر والحاجة التي يعانين منها بسبب الحرب، ولا يقتصر الوضع في مناطق الداخل فقط حتى في دول الجوار التي لجأن اليها.،.
إذ “يتعرضن بعض النساء للتحرشات والابتزاز، مقابل استلام أسطوانة غاز مثلا او ثمن كيلو لحم او خبز وغيره، بل يتعدى الوضع الى استغلالهن من قبل مسؤولين مقابل استلام حصصهن من المساعدات الإغاثية التي تقدمها منظمات دولية في السودان
معاناة الغربة:
وقالت الاخصائية الاجتماعية دولت حسن: عادة بالحروب المشابهة تفقد الأرامل المعيل ولكن دوما ما يجدن في بلادهن وفي منزلهن ومحيطهن ومجتمعهن الضيق بحيث لا يؤمن لهن الحماية..وهن فقدن كل ما يمتلكن من المال ومن منزل آمن، واضطررن للنزوح لمناطق أخرى، بالتالي عانين من الغربة والفقر الشديد والعوز مع فقدان المُعيل.
وترى دولت “أن هيكلية المجتمع السوداني تأثرت بشكل طال وحدة الأسرة وأهم مكوناتها، وظهرت إلى الواقع شريحة اجتماعية كبيرة من المطلقات والأرامل يحملن أعباءً اقتصادية واجتماعية وإنسانية لم تكن بالحسبان، ناهيك عن عدم إعدادهن المسبق لمثل هذه الأدوار التي شكلت ثقلاً نفسيا مؤلماً لغالبيتهن”.
وتابعت: “إن الحديث عن أشكال المعاناة التي تواجهها المرأة الأرملة في ظل الحرب الدائرة ، يمكن تصنيفه باختصار في إطار المعاناة الصحية والنفسية، وكذا المعاناة الاقتصادية، والمعاناة التربوية، وأيضاً المعاناة الاجتماعية والمهنية”، علماً بأن هناك الكثير منهن تجاوزن الأزمة وأدركن مفاهيم الحياة الجديدة وحصنَّ أنفسهن وعائلاتهن نفسياً وتربوياً، ومارسن أدوارهن أفضل مما كان يقوم به أزواجهن.
وتختلف نظرة المجتمع للمرأة الأرملة من بيئة الى أخرى، حسب البيئة وما تحمله من منظومة أخلاقية اجتماعية ثقافية دينية، إلا أن الغالب على الشعب السوداني هو النظرة السلبية للمطلقة والأرملة ويضع لها حدودا قاسية في الحركة والعمل والتعلم وممارسة الدور الطبيعي لها في الحياة.
إلا أنه مما يلاحظ أن المرأة الأرملة استطاعت نوعاً ما كسر تلك الحواجز ومتابعة حياتها والقيام بمسؤولياتها التربوية والاجتماعية الاقتصادية، وإن كان ذلك مختلفاً من مكان إلى آخر ، كما نلاحظ أن الأرامل يعانين من أفراد أسرهن ومن أقاربهن ومن المجتمع ومؤسساته المختلفة، نتيجة بنية ثقافية تربوية منغلقة منذ فترة طويلة من الزمن بفعل التركيز على الرجل في توفير متطلبات حياة الأسرة.