عام

ما وراء زيارة رئيس المخابرات المصرية للسودان

الخرطوم | زحل نيوز

ما وراء زيارة رئيس المخابرات المصرية للسودان

ما وراء زيارة رئيس المخابرات المصرية للسودان | وسط الحراك الإقليمي والدولي الذي تشهده الأزمة السودانية، وبالتزامن مع انعقاد اجتماعات جنيف، وما أثير من تضارب التصريحات حول الغاء اجتماع القاهرة بين الحكومتين السودانية والأمريكية والذي كان مقررا عقده في الأيام القليلة الماضية.

ما وراء زيارة رئيس المخابرات المصرية للسودان

وصل اللواء عباس كامل رئيس المخابرات المصرية إلى بورتسودان (الجمعة) في زيارة مهمة، تحمل في طياتها رسائل قد تكون على الأرجح خاصة باجتماعات جنيف حول الكيفية المناسبة لوقف اطلاق النار بالبلاد.

دور مصر

وبحسب بيان مجلس السيادة السوداني، فقد التقى رئيس مجلس السيادة الإنتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان عبد الرحمن، رئيس المخابرات العامة المصرية الوزير عباس كامل ، بحضور الفريق اول محمد ابراهيم مفضل مدير جهاز المخابرات العامة السوداني، وثمن رئيس مجلس السيادة خلال اللقاء، دور مصر الرائد في دعم ومساندة أشقائهم في السودان في إطار العلاقات الثنائية التاريخية والأخوية التي تربط البلدين والشعبين.

معرباً عن عميق تقديره وشكره لمصر حكومة وشعباً تحت قيادة الرئيس السيسي، وتناول اللقاء العلاقات السودانية المصرية والتحديات التي تواجه البلدين، وأكد رئيس المخابرات المصري حرص مصر على أمن واستقرار السودان، وتمنى أن تُطوى صفحة الحرب سريعاً لوقف معاناة المواطن السوداني.

توقيت مهم

تأتي زيارة عباس كامل إلى بورتسودان في توقيت مهم ودقيق تشهد فيه الأزمة السودانية حراكا إقليميا ودوليا ملحوظا، وذلك لبحث صيغة لوقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين، وتنبع أهمية الزيارة في أنها تأتي من مسؤول مصري رفيع.

بعد اللغط الكبير الذي صاحب اجتماع القاهرة التشاوري بين الحكومتين السودانية والأمريكية، وتبادل الاتهامات بين الجانبين السوداني والأمريكي حول من السبب في فشل هذا الإجتماع الذي كان مقررا أن يناقش فيه رؤية الحكومة السودانية حول كيفية تنفيذ ماتم الاتفاق عليه في منبر جده بخروج الدعم السريع من المدن والأعيان المدنية.

انقسام الخبراء

ويرى كثير من المتابعين أن زيارة كامل لـ “بورتسودان” ربما أتت لإقناع القيادة السودانية بسرعة الانضمام إلى مفاوضات جنيف، في وقت انقسم فيه الخبراء عن مدى استجابة البرهان لذلك،.

وهل سيذهب وفد الحكومة السودانية إلى جنيف أم سيصر على ضرورة تنفيذ اتفاق جدة قبل الذهاب إلى أي مفاوضات، إضافة إلى باقي التحفظات المتعلقة بضرورة المشاركة باسم حكومة السودان وليس الجيش، علاوة على عدم الرغبة في وجود الإمارات كرقيب في المفاوضات.

ثقة كبيرة

المتابع للدور المصري في السودان يلمس ثقة كبيرة من الجانب السوداني في أمانة هذا الدور، ويقرأ أن القاهرة لا يمكن أن تفرض شيئا على السودان، إلا في اطار التشاور الذي يصب في مصلحة البلاد، والذي بدوره ينعكس على أمن واستقرار مصر.

وهنا يجب تسليط بعض الضوء على كواليس عدم اتمام لقاء القاهرة التشاوري، والاتهام بأن الوفد السوداني هو الذي خرق البروتوكول ولم يأتِ لاتمام اللقاء، في وقت أكد فيه وزير الخارجية السوداني حسين عوض ورئيس وفد التفاوض محمد بشير أبو نمو لـ(المحقق) أن الجانب السوداني كان جاهزا للحضور إلى مصر وأن جزءا منه بالفعل وصل إليها، إلا أن إشارة الحضور من الوسيط المصري لم تأتِ.

وبالتحري والتدقيق، قامت (المحقق) بالبحث عن حقيقة ماحدث وتبين لنا أن توضيحات الجانب السوداني كانت هي الأقرب إلى الواقع، وألمحت مصادر مصرية مطلعة لـ(المحقق) إلى أن الأمريكان بطبيعتهم متعاليين وسطحيين، .

وأن هذا مايثير حفيظة الجانب السوداني، وتساءلت ذات المصادر عن مفهوم خرق البروتوكول الذي اتهم به المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان توم بيرييلو الوفد السوداني، مايعكس تفاهمات بين الجانبين المصري والسوداني في مبادرة جنيف التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.

 

رمانة الميزان

وقد يتبادر إلى الذهن السؤال عن مدى هذه التفاهمات بين مصر والسودان، في وقت شاركت فيه القاهرة بالفعل في منبر جنيف، في حين أن الحكومة السودانية لم تحضر حتى اللحظة، وهنا قد يكون حرص مصر في المشاركة في هذا المنبر، لضرورة تثبيت رؤيتها في حل الأزمة السودانية دون تركها لتقاطع أجندات إقليمية ودولية قد تصب في غير مصلحة السودان ومصر على حد سواء.

في وقت تبدو مصر فيه حريصة أيضا على الثوابت السودانية والمساعدة في تلبية تحفظات الجانب السوداني قبل الدخول في التفاوض، لتصبح القاهرة “رمانة الميزان” المضمونة والموثوقة للجانب السوداني في مناقشة الأزمة في غيابه.

على أية حال ينبغي قراءة الزيارة في إطار هذا المفهوم الذي تؤكد عليه الشواهد والمعطيات المحيطة. وبالعودة إلى أهمية الزيارة ودلالات التوقيت حاولت (المحقق) في هذا التقرير استقراء رؤية الخبراء عن أهمية الزيارة والدلالات والتوقعات الناتجة عنها.

 

قلق أمريكي

من جانبها لفتت الدكتورة أماني الطويل مديرة البرنامج الأفريقي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إلى أن الزيارة بالضرورة ستبحث الملفات المتعلقة بوقف إطلاق النار في السودان نظرا لتأثير ذلك على مصر.

وقالت الطويل لـ(المحقق) إن الزيارة مهمة في هذا التوقيت، لبحث أفق الجهود الساعية لوقف إطلاق النار في السودان، منوهة إلى أن الزيارة قد تكون متعلقة برسائل أمريكية، وضعها وزير الخارجية السودانية أنتوني بلينكن في بريد القاهرة عند زيارته لها قبل أيام بخصوص الأزمة في السودان، .

مضيفة وكذلك المحادثة الهاتفية بين السيسي وبايدن والتي تناول فيها الرئيسان سبل حل الأزمة السودانية، مشيرة في هذا الصدد إلى تصريحات السفير الروسي في بورتسودان حول أن الإتفاق بين السودان وروسيا قائم وكائن.

وقالت إن ذلك قد يكون من دواعي القلق الأمريكي هذا التقارب السوداني الروسي، ورأت أن كل ذلك سيكون أحد نقاط النقاش المهمة في لقاء البرهان وكامل في بورتسودان، مؤكدة أنه في اللحظة الراهنة لا يمكن توقع ماذا ستسفر عنه الأحداث.

 

اقناع البرهان

من جهته أوضح عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار أن الزيارة تأتي في اطار مايطلق عليه (الدبلوماسية الرئاسية)، وأنها أسرع طرق التواصل لإحداث نتائج بعيدا عن الدبلوماسية التقليدية.

وقال ميرغني لـ(المحقق) إن دبلوماسية رئاسة الجمهورية سريعة ونشطة وتستطيع أن تتجاوز اللقاءات الروتينة، مضيفا أن الزيارة تأتي في إطار مفاوضات جنيف، في محاولة لاقناع البرهان بأن الأمور تحتاج معاملة أكثر مرونة، وأن وقف العدائيات من الضرورة التعامل معه بسياق مختلف.

 

يريد التفاوض

واعتبر ميرغني أن مشاورات القاهرة قد انتهت بنجاح المشاورات حول الترتيبات الإنسانية، وقال إن المشاورات قد تمت بالفعل بين الحكومتين السودانية والأمريكية حول موضوع الترتيبات الإنسانية، مضيفا لجدية وقف العدائيات جاءت الزيارة.

مبينا أن تنفيذ ماتم الاتفاق عليه في جده يتطلب إجراءات فنية عسكرية، وأن الجيش لديه خطة وجداول زمنية وتوقيتات ومسارات واقتراح قوات للرقابة لانسحاب الدعم السريع من المدن، وأن كل ذلك يحتاج لنقاش مع الطرف الذي سينسحب.

متوقعا انضمام الجانب السوداني إلى مفاوضات جنيف، وقال إن الجيش سوف يفاوض إن لم يكن بالمشاركة المباشرة سيكون عن بعد أو عن طريق طرف ثالث، وربما عبر مصر نفسها والتي يمكن أن تنقل وجهة النظر السودانية للمفاوضات، ورأى أن البرهان يريد أن يفاوض دون أن يحسب عليه هذا التفاوض، وأرجع ذلك لوجود قوى سياسية سودانية لا تريد هذا التفاوض وأن البرهان يأخذ ذلك في الإعتبار.

 

شرح الملابسات

وقبل البدء في التعليق على الزيارة تساءل الدكتور خالد التيجاني الكاتب والمحلل السياسي عن لماذا فشل لقاء القاهرة. وقال التيجاني لـ(المحقق) إن هذا السؤال مبدئيا يحتاج إلى إجابة في ظل الروايتين المتناقضتين بين السودان وأمريكا، مضيفا كيف جاز للمبعوث الأمريكي أن يتحدث بلسان الدولة المضيفة (مصر) بأن الوفد السوداني خرق البروتوكول، .

فهل هذا احراج دبلوماسي متعمد لمصر واظهار بأنه احتجاج مصري على الجانب السوداني، أم أنه عدم فهم من المبعوث، ورأى أن الزيارة قد تكون لشرح ملابسات ما تم في الغاء اللقاء للقيادة السودانية وماحدث في جنيف أيضا.

 

مصدر موثوق

واعتبر التيجاني أن هناك اشكالية منهجية من جانب المبعوث لما يحدث في السودان، وقال إن ذلك يتعلق إما بكفاءته الشخصية أو أنها سياسة أمريكية ينفذها، مضيفا أن ذلك اتضح تماما من سوء الإعداد لجنيف، وبالتالي فإن فشل المبادرة محسوب عليه، وتابع أتوقع أن يكون هناك نقاش بين البرهان وكامل حول الخطوات القادمة ومزيد من التفاهم حول ما يترتب عن ما إذا فشلت جنيف.

،ورأى أن بيرييلو ربما أراد ألا يلزم نفسه في لقاء القاهرة باتقاق مع الحكومة حول رؤيتها لتنفيذ منبر جدة، وقال إنه حاول أن يجد لنفسه مبررا في فشل اللقاء، معتبرا أن اجتماعات جنيف قد فشلت وأنه ليس لها مستقبل.

وقال إن الأمور كلها تتجه الآن إلى مصر الطرف الذي أكد أنه أكثر جدية في البحث عن حلول منتجة بعد كل محاولات إبعادها، مؤكدا أن القاهرة مصدر موثوق به في حل الأزمة، وأنها لها علاقات مفتوحة مع الجميع، مشددا في الوقت نفسه على أن الباب الوحيد الآن الذي يمكنه أن يحدث اختراقا هو مصر.

المصدر : المحقق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى