هناك فرق، منى أبوزيد: حروب أخرى!
هناك فرق، منى أبوزيد: حروب أخرى!
. ” الإنسان يَعصِي لذلك يصنع الحضارات” .. عبدالله القصيمي ..!
فُجع مجتمع الأطباء السودانيين في العاصمة السعودية الرياض بخبر مقتل طبيبة سودانية شابة على يد زوجها خنقاً – أمام طفلتيها – في أثناء حادثة شجار زوجي بسبب المال!
الطبيبة الشابة كانت تنفق على أسرتها الكبيرة وتعيل أسرتها الصغيرة المكونة من طفلتين وزوج تحول بفعل تداعيات هذه الحرب إلى لاجيء عاطل عن العمل في السعودية حيث كانت تقيم وتعمل زوجته قبل اندلاعها..!
الشجار ــــ أي شجار ـــ هو صورة باهتة من صور الحرب، منعطف مزاجي حاد، صفعة عاطفية، تجسيد كاريكاتوري لاختلاف وجهات النظر، لكنه في مطلق الأحوال منعطف حقيقي في مسيرة الإنسان الحر العاقل المُكلَّف المُخيَّر، تلك المسيرة الحافلة بالصراع بين ما هو كائن وما يريده هو أن يكون..!
أما موقف الأطراف من ذلك المنعطف فهو الذي يرسم شكل النهاية ـــ أي نهاية ــــ ضحكة، قبلة اعتذار، صفعة، جريمة. قتل، أو صفقة باب تنهي علاقة المتشاجرين، فتنتهي معها موجبات الشجار ..!
أشهر حادثة شجار زوجي في تاريخ المسرح الحديث أحدثت إحلالاً وإبدالاً هائلاً في ملامح خارطة الفكر الاجتماعي في القارة الأوروبية كانت تلك التي وقعت بين نورا وزوجها هيلمر بطلي مسريحة “بيت الدمية” للكاتب النرويجي العظيم هنريك أبسن. تلك المسرحية الاجتماعية الثورية التي حملت لواء المسرح الواقعي حتى آخر قطرة دمع وحبة عرق ..!
نورا زوجة كانت تكافح في سبيل استقلاليتها وحريتها الاجتماعية ومساواتها الفكرية بزوجها الذي كان يقابل كل ما تبذله لإنجاح مؤسستهما المشتركة بالجحود والهجوم والنكران، ثم يتفنن في إظهار يقينه الكامل بكونها دمية بجسد رائع ورأس جميل لكنه فارغ ..!
شجار بطلي مسرحية إبسن كان في نهايات القرن التاسع عشر، وقد انتهى بخروج نورا من بيت الزوجية بعد أن صفقت بابه خلفها..!
تلك الصفقة التاريخية التي اهتز لها عرش العقل الذكوري الجمعي في أوروبا وتساقطت على إثرها مسلماته الظالمة، بعد أن شاهد أفظع مشكلاته الإنسانية تتعرى أمامه على خشبة مسرح إبسن الذي انتصر لإنسانية المرأة في عالم الرجال، واحتمل لأجل إثبات بعض حقوقها ثورة النقاد الذين حاكموا أفكاره وأدانوه لأنه كان يقول إن تحويل الظروف الاجتماعية مرتبط إلى حد كبير بتطوير الوضع المستقبلي للمرأة ..!
ثم انتصرت مبادئ إبسن التي ضمنها في مواقف بطلات مسرحياته “نورا وهيلدا جابلر وإيليدا” اللاتي تحولن بمرور الوقت إلى أيقونات درامية لكفاح نساء القرن التاسع عشر في سبيل القدر المعقول والمشروع من الحرية والاستقلالية ..!
في سودان ما قبل الحرب تفاوت كسب المرأة الزوجة في الحصول على تقدير الرجل الزوج، ثم جاءت هذه الحرب لتضع معظم الأزواج والزيجات والمؤسسة برمتها أمام اختبارات قاسية لمفهوم الشراكة الحقيقية، وهذا يعني أن مؤسسة الزواج في سودان ما بعد الحرب سوف تشهد تحولات مُهِمَّة في جملة مفاهيم كان ينبغي أن تُصحح..!
أما معاناة المرأة العاملة فقد كانت وما زالت تشهد بعض الصور المؤسفة للتمييز على أساس النوع، وبعض المعارك المهنية التي قد تضع أوزاها – في سودان ما بعد الحرب – بشجار فني توعوي، على طريقة أبسن..!