الخرطوم _ زحل نيوز
من قصص الايام السود
حاول إبراهيم ان يحمي شرف بناته ومات من الاسى وحرقة الحشا
عاش المهندس إبراهيم مستورا طوال عمره …كان الهم الذي وقر في ضميره منذ سنين الصبا الباكر ان يكمل نصف دينه و بعد ان قيض لله له ما اراد نذر نفسه لتنشئة اسرته على هدى من الأخلاق وحسن الطباع .
كان قريع رهطه وعمدة اهله في الملمات ونقيبهم في كل المواقف النبيلة و راس (القايدة) في النفرة وأعمال الخير كان شجاعاً لا يهاب المخاطر، وشهما لا يتخلى عن واجب، وكريماً لا يُضاهى في عطائه ، تسبق افعاله أقواله يعرفه اهله في شمال السودان بكل هذه السمات ويذكروا بالخير عطاياه و وأياديه البيضاء والنعم التي اسبغها عليهم خاصة تلك الهبات والأصول التي أوقفها لمشاريع الخير و منها الارض البحرية و (الحبال) التي ورثها كابرا عن كابر من اهله وأجداده
استزرع ساقية النخيل وهو في عز شبابه ثم طورها بعد تخرجه في كلية الزراعة في جامعة الخرطوم وأصبح خبيرا بالعلم والتجربة في زراعة النخيل و عندما تحسنت أوضاعه من شقاء الاغتراب اجتهد وزاد مساحتها أضعافاً بالشراء من جيرانه في السواقي المتاخمة
استقر المهندس إبراهيم في العاصمة و وهب كل الأصول بما فيها المزرعة التي كانت ذروة أحلامه وطموحاته في شبابه و اوقفها لعمارة المسجد وخلوة القران و سكنى للتلاميذ الذين ياتون من غرب السودان و وسطه لدراسة الفقه و حفظ القران.
و تبرع إبراهيم بالكثير مما يملك لتشييد المدرسة التي كان راس الرمح في نفيرها حتى اصبحت قلعة حصينة للتعليم والمعرفة خرّجت لفيفا من الأجيال التي شبت عن الطوق والتحقت بالجامعات السودانية والمصرية في مجالات متعددة .
بعد هجرته الاولى عاد إبراهيم وتزوج ابنة عمه ست البيت الهدية الرضية والتي كانت تدرس الاقتصاد في جامعة الخرطوم وأنجب محمد الذي تخرج في كلية الهندسة و هاجر إلى الخليج و بناته الثلاث واللائي كن غاية في الجمال والوقار والتأدب توفي محمد في حادث حركة بسبب سائق متهور من احد الجنسيات العربية اول مافعله إبراهيم بعد سماعه بوفاة ابنه الوحيد ان اتصل هاتفيا ليعلن عن عفوه عن الشاب المتهور الذي تسبّب في ازهاق روح ابنه وتنازل عن حقه الخاص .
المهندس عاصم سيد احمد ابن الحاجة ست النفر قريبة إبراهيم من ناحية والدته تزوج من كريمة إبراهيم الكبرى نوال وعاش في نفس الحي جارا قريبا وصهرا لا براهيم وابنا واخا صغيرا وصديقا يرافقه في المجالس و يؤانسه في الوحشة ويؤازره في المحن يذهب معه حيثما ذهب إلى مناسبة في البلد او في المدينة .
عندنا رحل المهندس إبراهيم للعاصمة كشان الكثيرين من اهل تلك البقاع التي ضاقت باهلها وطموحاتهم في التعليم والوظيفة وسبل كسب العيش استقر في بيت رحيب في احد الأحياء التي يسكنها الهدوء والأمان وتغلب فيها علاقات القربى وحسن الجيرة واستقر من حوله العديد من اهله وابناء منطقته تباعاً حيث كان ابراهيم مرشدهم وهاديهم في الغربة والترحال إلى المدينة ومضيفهم حتى يدبروا امورهم .
غيرت الحرب اخلاق الناس ومزجت الهجرة العشوائية و اوشاب المدن بالأخيار من الناس واكتظت المدن بالقدم الغريبة فلم يعد هنالك شخص يؤتمن حتى القريب عاد كالغريب إلا من رحم ربي
الصبي الذي كان يقف خارج المنزل ويغسل السيارة وياكل مع الاسرة وينام في الحوش امنا كانه احد افراد الاسرة و يعطف عليه إبراهيم ويعطيه من المال ما يقيم اوده وأسرته. اصبح مرشدا للمتمردين و اول مابدا الخيانة بدأ بقطع اليد التي امتدّت اليه بيضاء سخاءً رخاء وانتشلته من الفاقة والتشرد.
تطوع الصبي بعد ان أغراه اللصوص المتوحشون بحفنة من المال فأخبرهم بوجود سيارة بوكس جديدة في المرآب وهي بالنسبة لهم صيد ثمين وهي كل أمنياتهم وطموحاتهم التي بحاربون من اجلها ويستميتون في سبيلها وهي دليل على (الجاهزية )وسرقتها دليل الفراسة والبسالة عند (ام قرون) لذلك يستقبل السُرّاق في ديارهم بالزغاريد وأهازيج الحكامات
ظل المجرمون و انكشارية الدعم السريع وعلى رأسهم تشادي ينطبق بعربية ركيكة يتحاومون حول الحمى وفي ليلة حالكة السواد تسللوا إلى البيت بعد ان فتح لهم الصبي باب السور المنيع واندفعوا إلى داخل البهو مشهرين سلاحهم وهم يصرخون باصوات عالية مثل كلاب مسعورة تنبح في طريدة مذعورة يسألون عن السيارة ويحطمون الأبواب ودخلوا على مرآب السيارات ولم يجدوا السيارة فجن جنونهم .
اقدم احدهم وهو صبي مراهق صغير يحمل رشاشا و يعتمر هذا الكودمول الشؤم على ضرب إبراهيم بقعر البندقية وهو يسأل عن السيارة أجابه إبراهيم بأن السيارة في عطبرة فقام الجنجويدي بضرب إبراهيم ضربة عنيفة شجّت راسه وسالت الدماء.
سمع المهندس عاصم الجلبة والصباح فنهض من مخدعه مسرعاً ودخل إلى البيت من البوابة المشرعة على غير العادة فوجئ بهولاء المجرمين وحاول ان يقف بينهم وابراهيم وهو يطلب منهم احترام الرجل الوقور فأطلق احدهم النار عليه وارداه قتيلا تحت اقدام حبيبه ابراهيم اخرجوا البنات من داخل البيت متجردات من ملابسهن (هذا ماحدث بالظبط)وهددوا باغتصابهن إذا لم تحضر العربة خلال ساعات .
في ذلك الوقت كانت العربة تقترب من تخوم عطبرة لان إبراهيم اتفق مع احد اقربائه بعد غروب شمس ذلك اليوم الأسود على اخذ السيارة والبنات إلى عطبرة ،،،البنات رفضن مغادرة البيت دون الوالد والأم التي لاتقوى على الحركة لمرض عضال اقعدها وشل حركتها
اتصل إبراهيم بالسائق وطلب منه العودة بالسيارة بعد ان راي منظر بناته على هذه الحال وهن (عاريات )إلا من بعض ما يسترهن والبنادق مصوبة نحوهن خشي عليهن من هولاء الذئاب استغرب السائق من طلب العودة وحاول الاعتراض لكن إبراهيم الح عليه بإصرار شديد وصوت متهدج ونبرة حزينة ومرتبكة عادت السيارة بعد ساعات مرت ثقال على إبراهيم وأسرته تحت وطأة التهديد والعنف والتحرش ،، اخذ الجنجويد السيارة وذهبوا بها.
توفي إبراهيم بذبحة صدرية في فجر ذلك اليوم بعد ان رأى المهندس عاصم بصرع امام ناظريه وراى بناته يعرضن أمامه كالسبايا بدون ملابس تسترهن وتلفظ الأم انفاسها الأخيرة وهي ميتة سريرياً ولا احد يدري مصير كريمات إبراهيم المفجوعات وفي اي ديار يتلمظن الان طعم الموت والفجيعة والحزن الأبدي بقلب كسير وخاطر حسير ،،،،،،
اختفت السيارة عن الأنظار تنهب الارض وعلى متنها الجنجويد غارقين في ضحكاتهم الهستيرية وهي تشق استار الصمت في المدينة الحزينة ،،،ذهبو ا لجلب الديمقراطية المفقودة في مكان آخر و تفكيك دولة ٥٦ من اجل دولة المجانين.