دوما ما يشتكي كثير من الأباء الامهات من انطوائية بناتهم وتواجدهن لفترات طويلة وحيدات دون ان يتحدثن مع أحد من الاهل سواء الام والاب أو اخوانهم .فهؤلاء الفتيات يعشن حالة من الاغتراب داخل اسرهن حيث لا يقتصر الاغتراب على السفر من بلد إلى أخرى للعمل أو الدراسة، هذه الحالات توجد بنسبة كبيرة جدا في مجتمعنا السوداني وربما في مجتمعات أخرى وخاصة بين البنات المراهقات فما فوق.
وقد تكون هناك مشاكل بين البنت وابويها في أمور ما تدفعها لعدم التواصل مع اهلها وقد تكون اسباب اخرى متعددة تساهم في هذه الانطوائية التي تجعل الفتاة كأنها مغتربة بعيدا عن اهلها في بلد ما في حين يفصلها عن اهلها جدران الغرفة التي تعيش فيها وحدتها
(مشاكل الوالدين):
(هند) اسم مستعار لفتاة حقيقية تعيش انطوائية كاملة في منزل اسرتها لايجمعها بهم شئ حتى الوجبات تأكل وحدها . الى درجة كثير من الاهل والجيران يحسبونها (مجنونة) اي ان بعضا من الناس عندما يتحدثون عنها يقولون (بنت فلان المجنونة) اذ انها تخرج الى مدرستها وتتواصل مع زميلاتها ثم ترجع للصمت مع اسرتها مرة اخرى يعتبر الناس طلاق والدها لوالدتها مرتين هو السبب الرئيسي في ذلك فكان يسبق ذلك الطلاق مشاكل كثيرة ..
أما رؤى ابنة لزوجين منفصلين، وتعيش مع والدتها، لكنها «لا تتحدث مع والدتها بشكل طبيعي»، وتعيش معظم أوقاتها في غرفتها أمام «اللاب توب» وتتحدث مع أصدقاء في الفضاء الإلكتروني، لم تلتق بهم في حياتها الا انها منفتحة معهم لدرجة كبيرة تتونس وتضحك ثم تعود لواقعها الحقيقي فتصمت ولا تتحدث مع أحد . كما انها تعاني من اضطراب في التواصل مع المجتمع، سببه مشاكل مع والدها»
ما ذكرناهما ما هما الا نموذجين يمثلان حالة كثير من الفتيات المراهقات وغير المراهقات اللائي يعشن في عزلة تامة في بيوت اسرهن
(اختلاف الافكار):
من اولئك البنات من وجدت نفسها منذ الصغر تفتقد لأجواء العائلة لأن الأب والأم لم يقوما بتعزيز لغة التواصل معها ولم يشعراها بحبهم القوي لها. وأيضًا عندما كانت تتحدث معهم تصطدم بواقع مرير وهو أن هناك إختلافا فكريا بين جيلها وجيلهم.
ولهذه الأسباب تقرر الواحدة منهن أن تعزل نفسها عنهم في غرفتها وتتمنى في يوم من الأيام أن تعيش وحيدة حسب حديث دكتورة منى استشارية العلاقات الأسرية بناءً على الحالات التي قابلتها في عملها ، وقالت كما أن لظهور مواقع التواصل الإجتماعي له دور كبير في اغتراب البنت عن أهلها وإحاطة نفسها بعالم افتراضي يعزلها عنهم وعن واقع الحياة بأكمله.
واشارت دكتورة منى الى احدى البنات اللائي تحدثت معهن لعلاجها من تلك الحالة فهي قالت لها: «منذ الصغر أشعر أن والدي ووالدتي متناقضان في تصرفاتهم ففي مرة قال والدي لي ونحن في المنزل أن أقول لصديقه المتصل إنه خارج المنزل وعندما قمت أنا بالكذب في مرة على أحد عاقبني عقابا شديد مع إنه قام بنفس الفعل وكذب على صديقه وهذا جعلني لا أفرق بين الصواب والخطأ وقد تكرر هذا الموقف مرارًا وتكرارًا» .
وتقول أيضا «والدي أيضًا من النوع العصبي وكانت تحدث دائمًا مشاكل كثيرة بينه وبين والدتي ولا أحد كان يسمعني حين أريد أن أتناقش في موضوع ما. ولهذه الأسباب قررت أن أعزل نفسي عنهم ولا أتحدث عن أي شيء يخصني معهم». وقد أصبح أسلوب حياتي عندما كبرت ان أبعد من أي حاجة ممكن تعكر مزاجي، وأن الفرح والحزن مشاعر مكتوبة لي من عند الله سبحانه وتعالى لا تستطيع تغييرها. فاصبحت مستسلمة للأمر الواقع»
(إحباط من الأهل):
وأخرى لم تشعر بحب وصداقة والديها لها، فهما دائمًا يحبطانها ويقولان لها صراحة «أنتي فاشلة» ولن تنجحي مستقبلا فبدلا ان يقولا لها ذاكري دروسك لا تهملي الواجبات المدرسة يقولان لها انتي (بليدة) ولا ينصلح مستواك احسن تتركي المدرسة .. قالت فوق ذلك «مشاكلهم اليومية سويًا جعلتني أفكر في الهروب لكني أتراجع في أخر لحظة. ولهذه الأسباب قررت أن أعزل نفسي عنهم ووجدت في عزلتي مع أشخاص أخرين راحة لي».
(الاغتراب الكامل):
الاغتراب عن الأهل داخل المنزل الواحد، يعتبر اغتراب ناقص، إلا أنه قد يؤدي إلى اغتراب كامل، إذ من الممكن أن تدفع استمرار الظروف المسببة لهذا الاغتراب إلى لجوء البنت إلى ترك المنزل، وهو الأمر الذي حدث مع واحدة من البنات وهي فتاة كانت تعيش مع أهلها في أحد الاحياء الخرطومية العريقة ونتيجة للضغوط والمشاكل المستمرة مع الأهل.
تركت المنزل، هائمة على وجهها فظلت نتجول يوميا بالمواصلات من الخرطوم الى ام درمان ثم بحري وشرق النيل ، حتى انها في مرة من المرات وصلت ولاية الجزيرة ثم جلست مع الارهاق على أحد الطرقات إلا أن أحد الأشخاص أخذها إلى منزله وهاتف والدها وتحدث معه، وعادت لأهلها عندها انتبه والداها إلى مشاكلها.لان مثل هذه المشاكل تجعل البنت تهرب من منزل اسرتها إذا استمرت عليها الضغط وهروبهم قد يعرضهم لمخاطر كثيرة
الحل عند الأهل:
تنصح استشاري العلاقات الأسرية منى الأب والأم بالتقرب من ابنتهما وأن يشعراها بحبهم لها، والاهتمام بها دون أن يشعراها بأنهما يراقبانها، لأن شعور البنت بإنها تراقب يجعلها في حالة نفور من الأب والأم.
أما البنت فعليها أن تأخذ عهد على نفسها وتقرر أن تكون هي العنصر الإيجابي في المنزل، وتتابع أن البنت بيدها أن تخرج من عزلتها أو تظل فيها ولكنها إذا ظلت فيها سوف يترتب على ذلك نتائج سيئة، بأنها قد تلجأ إلى الإدمان أو أن تدخل في حالة مرضية بسبب الضغوط النفسية.