لم تكن المخدرات منتشرة في المجتمع السوداني كما هو الان بل كان بعضاً من الذكور يدمنون نوعا معينا منها بعيدا عن اعين الناس والاسرة. حالات لم تخرج من الغرفة المغلقة التي يتعاطى فيها المدمنين هذا السم ولم نسمع بحالات ظاهرة الى درجة توجس المجتمع منها .
ولكن في واحدة من السنوات أي في منتصف التسعينات لقيت ابنة شاعر كبير حتفها بسبب جرعة زائدة من المخدر .وتلتها اخرى .وثالثة ورابعة كلهن في عمر الزهور في الجامعة و المرحلة الثانوية فكان المجتمع مندهش ومستغرب كيف لفتاة تتعاطى المخدرات وهي في اعتقاد المجتمعات خاصة بالرجال .فوجدت تلك الحوادث اهتماما واسعا .
وبدأت الأسر تتحسس بناتها اللائي في الثانوية و المرحلة الجامعية خوفا عليهن من مصير اللائي خسرن حياتهن بسبب المخدرات..وبعد ذلك انطفأت تلك الحالة من الخوف بعد تلك الحوادث التي تحدثت عنها الصحف .
وقبضت الحكومة بيد من حديد على تجار المخدرات الذين كانوا لايتعدون إصبع اليد الواحدة واستمر الحال .الى ان داهم الخطر البيوت الآمنة من جديد خصوصا في السنوات الخمس الماضية .وبدأت الأسر تتوجس من جديد خوفا من فقدان و ضياع ابناءها وبناتها وهم في مراحل دراستهم المختلفة
(ناقوس خطر):
في السنوات القليلة الماضية بدأ ناقوس المخدرات يطرق مملكة الفتيات بشدة ويجعل من الملامح البريئة وجوها بائسة تلهث و راء عالم بلا وعي تنتهي عنده القيم الفاضلة ولا يبقى لها مكان سوى الأفكار الشيطانية التي تزين لهن عالما مجنونا يركضن خلفه حتى آخر محطاته حيث الوقوع في شرك الإدمان و انحراف بوصلة السلوك ..
ففي ذلك العالم ثمة طرفان يكملان حلقة الإدمان المفرغة هما: (صائد) يبحث عن ثراء و(فريسة) تائهة تتجاذبها هواجس الضياع والبحث عن كتف تتكئ عليه .. وعندما يلتقى الطرفان في تلك الدائرة المظلمة تفوح رائحة المسكوت عنه و يبدأ التململ ينتاب من حولهن و دائرة الشك تحاصرهن في صمت وخفاء..
في الوسط الأنثوي انتشرت هذه الظاهرة بشكل ملموس حيث بدأت ملامح تعاطي المخدرات لدى الإناث الصغيرات تنتشر فيها بشكل مرعب، ومخيف إقبال الجنس اللطيف على تعاطي المخدرات، بل تعاطيهن حتى في سن مبكرة يجعل خوف الأسر يتضاعف .
(رفيقات السوء):
قبل اشتعال الحرب المشتعلة الان في السودان .انشغلت الاسافير باختفاء صغيرات في عمر ال(17) و(18) عام في ظروف غامضة يبحث عنهن اهلهن كثيرا .فتظهر الواحدة منهن بعد غياب من بيت اسرتها . قصة طالبة الثانوية في (جبرة) ليست بعيدة ,خرجت للمذاكرة مع زميلتها ولم ترجع الى بيت اهلها الا بعد اسبوع بعدما ادخلت اسرتها في حالة هلع وخوف .
و بحضورها حل لغز الغياب وعندما تمت محاصرتها اعترفت بأنها ذهبت مع اصدقائها في رحلة ترفيهية حسب حديثها.. وفي النهاية تأكد أنها وقعت في فخ المخدرات.. صارت الحادثة حديث الناس، و تناولتها بعض وسائل الإعلام، . الفتيات الصغيرات و الحديث الذي دار حول اختفائهن اثار حفيظة اولياء الامور . فكان ان شدد بعضا من الاهالي على بناتهن .
فيما اخرج احد الآباء في احدى المدارس المعروفة ابنته من مقاعد الدراسة خوفا عليها من مصير اللائي خرجن ورجعن مدمنات ..او ان تدمن المخدرات وهي موجودة بينهم .فانه غير معروف ماذا يحدث أثناء اليوم الدراسي . وقد انتشرت اقاويل كانتشار النار في الهشيم بأن هناك تلميذات يعملن في ترويج المخدرات .
ويستطعن ايقاع فريستهن بسرعة .وهناك من تضعه في الماء .وهناك من تضعه على خدها وتسلم على زميلتها وهناك من تاتي به في شكل حلوى. وكثير من ادمنت بتلك الطرق وكانت ضحية رفيقة سيئة اوقعتها في خطر التعافي منه صعب.
حيث اعتادت المدمنات على مضغ علكة مخدرة، أو تناول الكحول أو استنشاق الصمغ والحشيش وتناول المواد الأفيونية .والحقن والترامادول والبيثيدين والكودايين.
(مدمنات لاجئات):
ظهر ادمان الكثيرات بعد اندلاع الحرب حيث خرج اهاليهن في رحلة نزوح ولجوء الى الولايات او دول الجوار ، أسر تائهة تبحث عن خيط رفيع تنتشل به بناتها من ذلك الغول .سرعان ما بحثوا عن عيادات معالجة الادمان .
واسر اخرى تصارع في الحفاظ على بناتها بعيدا عن ذلك الخطر .الا ان ذلك اصبح في متناول اليد هناك ضعيفات نفوس وهن لاجئات ونازحات يروجن المخدرات كالتي تعمل في بيع الطعام او الشاي ، وخلف تلك التجارة تدور عمليات البيع لذلك السم واغراء الصغيرات على شرائه كالتي تقول للصغيرات ان ذلك يقوي الذاكرة ويجعلك شاطرة ومنتبهة مايساعدك على النجاح في الامتحانات فتقع الصغيرة فريسة ذلك لانها تريد النجاح و الذاكرة المتقدة في حفظ الدروس دون نسيانها ..
او كالتي كانت مجتهدة في نسيان ماحدث لها في الخرطوم بسبب الحرب فاعطتها صديقتها حبوب قالت لها أنها تساعد خفض التوتر والنوم براحة تامة وقد كان لها ولكن بعد زوال المخدر كانت تشعر بالصداع لدرجة انها لا تنام ليلتها فتذهب الى صديقتها صباحا لاخذ تلك الحبوب .
فاصبحت صديقتها تطالبها باموال كل ما تأتي إليها .ونسبة الظروف التي تمر بها اسرتها بسبب فقدانها لكل شي بسبب الحرب لم تستطع الفتاة توفير ثمن تلك الحبوب .فاصبحت تسرق من اهلها الى ان اكتشفتها احدى شقيقاتها والان تلك الصغيرة في احدى مراكز علاج الادمان بالقاهرة .
(رأي علم النفس):
اكدت الدكتورة دولت حسن اخصائية علم النفس انه لا توجد احصائية لادمان الفتيات الصغيرات للمخدرات نسبة لطبيعة المجتمع والوصمة الاجتماعية التي تلحق بالمتعاطى، أضافة إلى أن الفتيات اللائى وصلن مرحلة الإدمان يذهبن للعيادات الخاصة لذا يصعب احصاء الحالات بدقة، .
وقالت مع الاسف ان ادمان الفتيات وصل الى مرحلة الظاهرة . ولابد لأولياء الأمور ملاحظة ظهور أي تصرف غريب على ابنته مثل علامات عضوية وانفعالية و سلوكية، مثل قلة الرغبة في الأكل، و النوم، والعلامات الانفعالية مثل تغلب المزاج، وسرعة الانفعال لأتفه الأسباب، والانطوائية و الانعزالية، والسرقة ، واضافت المؤسف ان معظم الاسر تنكر حقيقة إدمان بناتها للمخدرات و تبحث عن مبرر تعلق فيه المشكلة، و في الغالب يكون رفقاء السوء هم (شماعة) الاسر..
بعد أن تجد الاسرة نفسها امام حقيقة حتمية لا مفر منها و هى ادمان ابنتها يحاول بعضهم وضع قيود صارمة مما يزيد درجة الضغط النفسي و أن المريض يحتاج للرعاية من المؤسسة العلاجية و أن تعترف الاسرة بأن الابنة مدمنة .كثير من الابوين يبرئ نفسه الاب يعلق المسؤولية على الأم و هى تعلقها على الأب .
وهكذا يبدأ التنصل من المشكلة، و لكن لابد من اللجوء للحل و هو تقديم المريضة للمؤسسة العلاجية، بناء على رغبتها ثم تحفيز الاسرة لعلاجها و دعمها وليس النظرة اليها نظرة مجرمة، كما يخشى كثيرون ذكر الطبيب النفسي خوفاً من ملاحقة الوصمة رغم الوعى الكبير في هذا الجانب فإن بعض الاسر تخشى ذلك..