ما أكتبه اليوم هنا سيغضب العاطفيين، وأهل التفكير الرغائبي، والسذج، وأصحاب المصالح والمفرطين في حُسن الظن.
لكن ما شأن رجل مثلي، إحدى رجليه في القبر بكل أولئك، ما شأنه بهم ليصدوه عن الجهر بقناعة لديه رسخها العقل بناء على معطيات الواقع، والحرص على مستقبل وطن ليس لديه سواه!!!
وها قد أتى اليوم الذي ينبغي أن نسمي فيه الأشياء بأسمائها Let’s call a spade a spade، فقد تسترنا كثيراً وصبرنا حتى ضاق بنا الصبر.
اليوم هو يوم الفصل، يوم “ود النورة” الوادعة التي اغتسلت بدماء شهدائها البررة..
ما يفوق مائة نفس طاهرة ارتفعت إلى بارئها، وعشرات الجرحى، ربما يلحق بعضهم بمن ارتقى.
وقبلها قرىً كثيرة نُكبت!
كل أهلنا هؤلاء تتحمل مسؤوليتهم قيادة الجيش الرباعية ومعهم مدير الاستخبارات ورئيس هيئة الأركان.
هؤلاء كانوا وراء تأخير الاستنفار. وكانوا وراء المماطلة في تسليح المستنفرين. هذا رغم ضراعاتنا وضراعات كثيرين؛ كان آخرهم وفد زعماء الجزيرة الذين ذهبوا يستجدون السلاح من البرهان في بورتسودان لحماية أنفسهم.
كل شيء لدى قيادة الجيش قابل للإبطال والإبطاء وللتأخير والتسويف. وهي قيادة تُفْلِح في تصبيرنا “بمخدر الكلام”.. تعدنا أن الحسم سيتم بعد أسابيع، وإذا به يتطاول شهوراً!!
التمسنا لها الأعذار شهوراً وشهوراً، عساها تكمل نواقصها، حتى فاق الأمر العام.. وظللنا نسمع جعجعةً ولا نرى طِحنا!!
قيادة تنشط في تسليح حركات دارفور، وتنفق عليهم مليارات الجنيهات، وتتقاعس عن تسليح المقاومة الشعبية المتطوعة لحمايتنا والتضحية للذود عن حياضنا!!!!
عام كامل كان يمكن لقيادة الجيش أن تركن إلى وطنيين أنقياء، من المستشارين، مَصابيحِ الهِدايَةِ لا أَهل الغَوايَةِ أَربابِ الضَلالاتِ، لكنها لم تفعل، لذا أخفقت أن تُقيم مائلا، أو أن تُصلح خراباً، أو تسد خللاً، أو أن تمنع فساداً، أو تُنجِز خيراً، حتى تفجرت أحزاننا كلها في “ود النورة” اليوم.
ويبدو أن الذم والمدح عند هؤلاء سواء.
“وحاكمٍ” طالَ بِهِ عَنائي
لازَمَني وَذاكَ مِن شَقائي
كَأَنَّهُ الأَشهَرُ مِن أَسْمَائي
أَخرَقُ ذو بَصيرَةٍ عَمياءِ
لا يَعرِفُ المَدحَ مِنَ الهِجاءِ.
أَفعالُهُ الكُلُّ عَلى اِستِواءِ
قيادة كمن:
ترك القريبَ من الصلاحِ ففاته
ورجا البعيدَ من الظنونِ فأخفقا!
ظننا أول شهور الحرب أنها قيادة متعقلة، تحسب الأمور بدقة، وأنها لن تخذلنا، ولكن الناس انتبهوا، وعلموا بعد “ود النورة” أن:
للنَفْسِ أَخلاقٌ تَدُلُّ عَلى الفَتى
أَكانَ سَخاءً ما أَتى أَم تَساخيا
جاءتنا النذر في “التكينة” وفي “فداسي” وفي “الحرقة” وفي “المعيلق” وسواها!
وقيادتنا لا تسمح للجيش بالتحرك!!
حتى موتنا وذبحنا لا يحركها!!!
قيادة تأبي أن تشكل حكومة!
وتمتنع من تسليح المقاومة الشعبية!
ولم تسمح بقيام المقاومة إلّا بعد أن جاوز الحزام الطبيين، ثم قتلت جذوتها بالوعود الخُلّب وحبس السلاح!!
كل شيء مؤجل.
العلاقات مع روسيا تأتي بعد فوات الأوان.
ولم نسمع شيئاً عن الصين المستعدة لعوننا عسكرياً واقتصادياً.
وأشك أنها ستمضي حازمةً في العلاقة مع روسيا، لو أن خواجة انتهرها!!!
ولم تفعل شيئاً في علاقات خارجية تعيننا في تجاوز شيء من أزماتنا الاقتصادية والمعاشية!!
لماذا لم نفعِّل علاقاتنا مع قطر التي لديها أيادٍ بيضاء؛ وكان يمكننا رأب الصدع بعد أن أرجعنا طائرة وزير خارجيتها!!
ولكن من يفعل ذلك؟؟
قيادة مرتعبة من الغرب الذي لم يقدم لها أو للسودان شيئاً سوى الوعيد والتهديد.
شباب نضير مستعدون لفدائنا والتضحية بأرواحهم، تمتنع عن تسليحهم، حتى لا تتهمها قحت بموالاة الكيزان!
خوفها من القحاتة الذين هم مجرد عملاء مطاليق، أو من خواجات يرعون العملاء، يصدها أن تسلحهم، وتتركنا للمليشيا لتذبحنا ذبح الخراف!
وهل الإمارات مُرعبة إلى هذا الحد؟؟؟
هل أشخاص من أمثال حمدوك، الذي يدعو للتدخل الدولي، يستحقون احترامنا؟؟
سكاكين المليشيا والقحاتة على رقابنا وقيادة الجيش تصنف من تقدم ليموت أيديولوجيا!!!
هل هذا وقت تصنيفات أيديولوجية، لو كنتم تفقهون؟؟
قيادة الجيش – وخاصة البرهان – تفلح في “شيل الفاتحة” لتعلن بعد عام:
“الحرب يا داب بدت” وإذا بود النورة تفضحها.
وها هي “تشيل الفاتحة” اليوم عبر بيان!!!
وما يثير الأسى أنّ بيانا تصدره قيادة عسكرية بعد مذبحة لشعبها، ويخلو من الإشارة للانتقام من القتلة وعقاب المجرمين؛ لكنه يخاطب منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي!!!
لعلهم ظنوا أنهم نقابة المحامين!!!
قيادة، كل شيء لديها مخفي!!
أين نتائج التحقيق في سيطرة المليشيا على مدني الذي وعدتنا به؟
قيادة تعشق الظلام؛ لأن على رأسها “ثقباً أسود”.
مشكلتنا ليست في جيشنا.
مشكلتنا في قيادة الجيش.
ولن نرضى أن تقود مثل هذه القيادات جيشاً بهذه البسالة.
ولا يقولنّ قائل من أصحاب العواطف المشبوبة والسذج والمفرطين في حُسن الظن وأهل المصالح: “ده ما وقتو”.
حسناً سادتي، متى وقتو؟
وقتو بعد ما المليشيا والقحاتة يكملوننا كلنا؟؟
وحين أقول أصحاب المصالح والمرتشين فأنا أعني ما أقول.
وأعني لِمَنْ أصَوّب سهامي!!!
تنازلوا عن مناصبكم بهدوء، وسلموا الراية لو أن لديكم بالفعل وطنية.
سلموا الراية بهدوء لمن هو أجدر، فقد تكاثرت علينا النكبات معكم.
ودعناكم الله.